نقابة المهندسين.. والإصلاح السياسي - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نقابة المهندسين.. والإصلاح السياسي

نشر فى : السبت 3 يونيو 2023 - 9:45 م | آخر تحديث : السبت 3 يونيو 2023 - 9:45 م

ما حدث فى انتخابات نقابة المهندسين، الأسبوع الماضى، هو نقطة شديدة السلبية وسط بعض الإيجابيات التى أطلقها الحوار الوطنى الذى انعقد مطلع الشهر الماضى! فاقتحام بعض البلطجية، أو بالتعبير الشائع مثيرى الشغب، مقر انعقاد الجمعية العمومية للنقابة حيث كان يتم التصويت على بند سحب الثقة من النقيب طارق النبراوى، وتحطيم صنادق الاقتراع والتعدى على الأشخاص المتواجدين قبل الإعلان الرسمى عن النتيجة التى كانت مؤشراتها تقول إن مهندسى مصر رفضوا سحب الثقة، هو ليس فقط عملا فوضويا كما وصفه البعض، ولكن عملا إجراميا يستوجب التحقيق الشفاف والمحاسبة الفورية لكل من تورط فيه!

لا أتحدث هنا فقط عن محاسبة البلطجية الذين ذهبوا إلى مركز مؤتمرات جامعة الأزهر لإفساد التصويت، ولكن أيضا محاسبة من وقف وراءهم وأعطى الأوامر بالتنفيذ! هناك بعض الأسماء التى تتردد كمشتبه بها فى التنفيذ أو التخطيط، لكن الأمر متروك لجهات التحقيق لإعلان الحقيقة ومحاسبة المذنب وهذا وحده هو الكفيل بجبر ما حدث! فالموضوع لم يكن عراكا عابرا أو فوضى غير مقصودة، ولكن قرارا اتخذه شخص أو أشخاص ما لإفساد قرار أعضاء النقابة بشكل شديد الهمجية!
• • •

ليس صحيحا أن هذه جريمة فردية، ولا يجب التعامل معها ــ كما قال أحدهم فى إحدى الفضائيات ــ بمعزل عن موضوع الحوار الوطنى تحت دعوى أن هذه نقرة وتلك أخرى! الحقيقة أن الحوار الوطنى هو المدخل الرئيسى للإصلاح السياسى المنشود، وكل ما يحيط به من أحداث سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية يؤثر عليه ويتأثر به، إلا إذا كنا نتحدث عن مجرد مكلمة أو شكليات وهذا قطعا ما لا أرجوه ولا أعتقد أن أحدا ممن يؤمنون بالإصلاح السياسى سواء من المحسوبين على الإدارة السياسية الحاكمة أو المحسوبين على المعارضة أو المستقلات والمستقلين يرضونه!
الإصلاح السياسى ليس مجرد حوار، ولكنه قبل ذلك إرادة سياسية مخلصة من الحاكم وتصور شامل لإعادة هيكلة النظام السياسى بما فى ذلك طريقة صنع السياسات العامة وتوفير ضمانات متعلقة بنزاهة الانتخابات وبحرية التنظيم والتجمع والدفاع عن المصالح الفئوية، طالما أن كل ذلك لا يخالف الدستور أو القانون وفى القلب من كل هذا ضمانات حرية عمل الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية وقطعا حرية العمل النقابى!

فالنقابات والاتحادات (كاتحاد العمال أو اتحادات الطلاب.. إلخ) هى جزء من النظام السياسى، لأن أبجديات العمل السياسى هو التنظيم والتعبئة والدفاع عن المصالح، وإذا كانت الأحزاب تفعل ذلك وتنافس ــ أو هكذا يفترض ــ على السلطة، فإن النقابات والاتحادات لا تنافس على السلطة، لكنها تدافع عن مصالح أعضائها، والتدخل فى حرية هذه التنظيمات أو إملاء أى إرادات عليها بما فى ذلك منعها من الاجتماع أو إعاقة هذا الاجتماع بطرق شتى تشمل البلطجة والتدخل فى الانتخابات هو من قبيل الإفساد السياسى الذى يهدم أى منطق وأمل فى الإصلاح المنشود!

بعبارة أخرى، بينما نفهم جيدا أن أى عملية حوار حول الإصلاح السياسى قد تخضع لقيود تتعلق بتوازن القوى أو بالظروف السياسية والاقتصادية والأمنية داخل البلاد وخارجها، إلا أن عدم الاتفاق على حد أدنى لشروط إنجاح هذا الحوار يعنى أن فرص نجاحه محدودة، لأن واحدا من شروط النجاح هو بناء الثقة المتبادلة ولا أعتقد أن ما حدث فى نقابة المهندسين يمكن أن يساعد فى عملية بناء الثقة بين المتحاورين والمتحاورات من داخل أو خارج السلطة السياسية!
• • •

الغريب هو أن أحد ردود الفعل على حادثة نقابة المهندسين كانت أننا «لن نسمح لأحد أن يفسد الحوار مهما كان»، والحقيقة أنا لا أفهم، هل إنجاح الحوار متمثل فقط فى التمسك باستمراره بغض النظر عن الأحداث المحيطة به، أم أن النجاح فى هذه الحالة يعنى التحقيق والمحاسبة من أجل بناء الثقة والبرهنة على أن هناك نية جادة من السلطة للإصلاح؟

قطعا لا أدعو ولا ألمح حتى للانسحاب من الحوار أو تجميده، لأنه مازال ظنى هو أن الإبقاء على قنوات مفتوحة للحوار بمثابة الحل الأسلم لمصر، شعبا وأرضا، فى هذه الظروف، ولكنى أضع تساؤلات حول معايير الاستمرارية والجودة نحو نتائج نتمنى فى النهاية أن تصب فى مصلحة الإصلاح السياسى الفعلى لا الشكلى الذى يعود بالنفع على عامة الشعب المصرى!

أتصور أنه وبدلا من التهديد بالانسحاب من قبل بعض المشاركين والمشاركات، مقابل القسم على الاستمرار مهما حدث من قبل البعض الآخر، والادعاء بأن هناك مؤامرة خارجية أو داخلية لإفساد الحوار من قبل فئة ثالثة، فإن الأسلم والأوقع أن يتم تشكيل لجان أو مجموعات من المتحاورين ــ من الجنسين ــ لرصد أى تجاوزات أو انتهاكات لأبجديات الإصلاح وجدية الإرادات السياسية وطرحها أولا بأول أمام مجلس أمناء الحوار الوطنى، ففى النهاية الحوار ليس هدفا فى حد ذاته، ولكنه وسيلة لتحقيق هدف أكبر وأعم وهو الإصلاح الذى نتحدث عنه!

فى معرض مطالبة أحدهم للنائب العام بالتحقيق فى حادثة النقابة، قال وكأنه يتبرأ من السياسة أن الموضوع ــ يقصد جريمة البلطجة ومطالبة النائب العام بالتحقيق ــ ليس مسيسا وأن النقابة ليست مسيسة وأن القصة كلها تتعلق بمطالب مهنية مشروعة غير مسيسة! أعلم طبعا أن عبارة السياسة قد أصبحت من المحظورات فى مصر خلال السنوات الماضية، وأن كثيرين يتجنبون الحديث فيها درءا للشبهات أو لتجنب الاتهامات والتصنيف ومن ثم الوصم بالانضمام إلى هذه الجماعة أو تلك، وبينما أعلم أن قائل هذه الكلمات قد يكون حسن النية، وربما يقصد أن مطالبته للنائب العام بالتحقيق فى أحداث النقابة ليس لها علاقة بالسياسة «العليا» ولا بالتشكيك فى الإدارة السياسية للبلاد، لكن من المهم أن نؤكد أن ما حدث فى انتخابات نقابة المهندسين هو السياسة بعينها! وأن الحديث فى السياسة ليس عيبا ولا محرما، والأهم أن أحداث البلطجة التى تمت فى قاعة مؤتمرات جامعة الأزهر الأسبوع الماضى هو أمر سياسى بحت وليس هناك وصف آخر له. ببساطة لأنه مرتبط بمحاولة تغيير إرادة أعضاء النقابة واختياراتهم الحرة، وبالتالى فإن مطالبة النائب العام بالتحقيق هو أمر مهم للتأكيد على هذه الإرادات الحرة، فهذا فى النهاية هو لب العملية السياسية، أن يحتكم الأطراف المتخاصمة إلى جهات العدالة المستقلة للحصول على حقوقهم بحسب القانون والدستور!
• • •

لا يجب التهوين مما حدث لأنه بالفعل ليس هينا! هو فى ظنى رسالة ممن لا يرغبون فى الإصلاح ولا يحترمون الحوار ولا الأطراف المتحاورة، وإذا فات ما حدث دون محاسبة، فإن الأسوأ لا يمكن اجتنابه فى المستقبل القريب!

مدير برنامج التعاون الدبلوماسى الأمريكى اليابانى، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر