الممثلون لا يحكمون العالم - سمير عمر - بوابة الشروق
الإثنين 1 سبتمبر 2025 9:11 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

الممثلون لا يحكمون العالم

نشر فى : الأحد 31 أغسطس 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الأحد 31 أغسطس 2025 - 7:30 م

فى الأيام الأخيرة شهدت مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر وعدد من البلدان العربية جدلًا واسعًا عن دور الزعيم جمال عبد الناصر وانتصاراته وانكساراته، وكالعادة وجد كثير من كارهى سيرة الرجل ومسيرته الفرصة مواتية لإعادة إنتاج مقولات لم تتوقف منذ رحيله عن أنه ــ رحمه الله ــ هو سبب كل الكوارث والأزمات التى حلت بمصر منذ قيام ثورة يوليو وحتى الآن، وأنا هنا لا أريد الخوض فى معارك أرى أنها لن تجدى نفعًا مع من ناصبوا ناصر وتجربته العداء، وشاركوا أعداءه، وأعداء مصر والعرب حملة الهجوم عليه بحسن نية أو بسوء نية، فقط أود أن ألفت نظر هؤلاء إلى أن الرجل قد رحل عن دنيانا فى الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 وقد سارت مصر منذ رحيله فى اتجاهات مغايرة تماما لسياسات الرجل وأفكاره، فاتركوه يرقد فى سلام، ولتبحثوا عن موضوع آخر يضعكم فى قلب «التريند» ويعيدكم إلى دائرة الضوء.

بعد رحيل جمال عبد الناصر بعدة سنوات كان هناك برنامج من أكثر البرامج نجاحًا فى التليفزيون المصرى، هو برنامج «اثنين على الهوا»، من إعداد وتقديم طارق حبيب، وكانت تشاركه التقديم الإعلامية منى جبر، وفى إحدى حلقات هذا البرنامج الغنى بضيوفه، الممتع بحواراته، حلّ الفنان الكبير يوسف وهبى وزميله ورفيق دربه الفنان الكبير زكى طليمات ضيفين كريمين.

وفى الحلقة كان أحد الأسئلة يقول: إن خير من يحكم العالم فنان.. ما رأيك فى هذه المقولة؟

يرد يوسف وهبى بصوته الدافئ: «لا أعتقد أننا نقول إن خير من يحكم العالم فنان إلا إذا كان هذا الفنان مثقفًا متعلمًا حاويًا على كل ما يحتاجه حاكم العالم من علم وإدراك ومعرفة، فليس من الضرورة أن يكون حاكم العالم فنانًا، لكن من الضرورة أن يكون حاكم العالم فنيًا».

أما زكى طليمات فردّ قائلاً: «أنا أختلف لأن الفنان الحق بيعيش بعواطفه أكثر ما بيعيش بذهنه، والحكم عايز عقل أكثر من عاطفة».

ويواصل طارق حبيب متسائلاً: يبقى لو قلت لحضرتك تحكم العالم ترفض؟

فتسبق الضحكة صوت زكى طليمات الرنان: «أبدًا.. أنا مش قادر أحكم نفسى هحكم العالم؟ ده كتير قوى».

ويرد يوسف وهبى على ذات السؤال: «لا وحياتك، فى عرضك، الواحد عنده من المشاكل ومما يراه فى الدنيا ومن أحداث ما يتعبه بدون أن يحكم العالم».

ثريًا كان الحوار وعميقًا، ويوسف وهبى وزكى طليمات، برغم ما يحمله كل منهما من تاريخ عريض فى الفن والثقافة، قررا ألا يحكم العالم فنان.

ويوسف وهبى وزكى طليمات من أبناء هذه الحقبة التى كانت مصر تبحث فيها عن طريقها نحو الاستقلال والتقدم، ومثَّلا مع غيرهما اتجاهاً فنياً وثقافياً رفيع المستوى فى الحقبة البرلمانية الدستورية التى أعقبت حصول مصر على الاستقلال، منذ صدور دستور 1923 وحتى قيام ثورة يوليو عام 1952، لكنهما أيضًا استمرا فى العمل والعطاء فى الحقبة التالية التى سيطر عليها التنظيم السياسى الواحد، والممتدة من 1952 وحتى 1976.

ولم يُكتب لهما الاستمرار كثيرًا ليعيشا مع المصريين مرحلة التعددية السياسية المقيدة فيما بعد عام 1976 وحتى 2011 وما تلاها من تحولات عاصفة طالت الحياة السياسية فى مصر

والراصد للتحولات التى شهدها النظام السياسى المصرى يمكنه الوقوف عند تلك المحطات الثلاث: الأولى التى اتسمت بالتعددية الحزبية ونظام الاقتصاد الحر، وتعرضت لضربات موجعة بإصرار الملك فاروق على التدخل فى شئون الحكم بطرق غير دستورية ورفض الإنجليز المستمر لسحب قواتهم من مصر وفشل الوزارات المتعاقبة، أغلبية كانت أو أقلية، فى مواجهة المطالب الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما أدى إلى استنزاف تدريجى لشرعية النظام، على حد تعبير الدكتور علىّ الدين هلال.

أما المرحلة الثانية، وهى التى يحلو للبعض الهجوم عليها بمناسبة وبدون مناسبة، فقد اتسمت بوجود تنظيم سياسى واحد وسيطرة التوجه الاشتراكى، إضافة إلى تركيز السلطة ومركزيتها وعدم السماح بحق الاعتراض السياسى المنظم. وفى هذه المرحلة لعبت كاريزما جمال عبدالناصر وانحيازه الكامل للطبقات الفقيرة واتساع الطبقة المتوسطة وزيادة حضورها دورًا كبيرًا فى حفظ التوازن الاجتماعى.

 أما المرحلة الثالثة التى تبلورت فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، فقد اتسمت بعدد هائل من التحولات الكبرى، سواء فى السياسة بالتحول نحو أمريكا وإبرام الصلح مع إسرائيل، أو الاقتصاد بتبنى سياسة الانفتاح وما تلاها من اقتصاديات السوق الحرة، لكنها لم تخرج كثيرًا عن مفهوم التنظيم الواحد وإن فى قالب تعددى.

وعلى نهجه سار الرئيس مبارك مع توسيع هامش الحرية والممارسة الحزبية.

إن دراسة هذه المراحل الثلاث وما تلاها فى أعقاب التغيير الثورى الكبير الذى شهدته مصر عامى 2011/2013 ، تؤكد أن ما يصلح كنظام لحكم مصر ليس بالضرورة هو ما يصلح لحكم بلد آخر، وما يصلح لحكم مصر فى مرحلة تاريخية معينة لا يجب أن يكون قالباً ثابتاً نسعى لإعادة إنتاجه، وإن كنا لابد وأن نستلهم منه نقاط القوة فنعظمها، ونرصد منه نقاط الضعف فنتجنب تكرارها.

سمير عمر كاتب صحفي يمتلك خبرة تمتد لنحو ثلاثة عقود في مجال الصحافة والإعلام
التعليقات