حسنًا فعل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حين تحدث عمّا سمّاه «الهجرة الطوعية» لسكان قطاع غزة، فقد كشف «المجرم الملوّثة يداه» بدماء آلاف الفلسطينيين جوهر عدوانه الوحشى على القطاع وخطته الإجرامية لتهجير الفلسطينيين إلى خارج أراضيهم.
ما قاله نتنياهو هو أنّه والرئيس الأمريكى ترامب متفقان على ضرورة فتح أبواب الهجرة أمام سكان غزة، زاعمًا أنّ نصف سكان غزة على الأقل يريدون الخروج، وأن حركة حماس هى من تمنعهم كى تستخدمهم كدروع بشرية، وأن مصر ستغلق معبر رفح لمنع الفلسطينيين من المغادرة فى حال قرر هو فتح المعبر من الجانب الفلسطينى.
أقول: حسنًا فعل نتنياهو فقد كشف فى حديثه أمرين فى غاية الأهمية.
الأمر الأول: هو صحة الموقف المصرى وصلابته فى التصدّى لخطة التهجير القسرى التى اتّبعها وأراد تمريرها مستغلًا ما حدث فى هجوم السابع من أكتوبر، وهو ما كان محل رفض مصرى منذ اليوم الأول. ومن يراجع مواقف مصر فى السرّ والعلن يعرف ذلك.
حدث ذلك منذ اليوم الأول وظهر بوضوح وجلاء فى قمة القاهرة حيث وضعت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى الإطار الحاكم للموقف المصرى على مختلف الجبهات، وكان عنوان «لا للتهجير ــ لا لتصفية القضية الفلسطينية» العنوان الأبرز الذى صاغت من خلاله مصر تحركاتها سواء على الصعيد الدبلوماسى أو على الصعيد الأمنى.
كانت مصر رسميًا وشعبيًا فى مواجهة مخططات التهجير، وكان تنظيم الإخوان على الطرف الآخر يقود حملات التشكيك من خلال لجانه الإلكترونية ووسائل إعلامه هجينة التمويل والتوجيه، يبثّون الفتن ويروّجون الأكاذيب عن قبول مصر لمخطط التهجير، بل وقدّمت أبواقهم الإعلامية سيناريوهات كاذبة وأحاديث ملفّقة عن تفاصيل هذا الاتفاق المزعوم وجدوله الزمنى. وحين كُشفت أكاذيبهم وفُضحت مخططاتهم، كانت الاستدارة الكاملة فى ماكينة الكذب الإخوانى.
وهذا يقودنا إلى الأمر الثانى الذى كشفته تصريحات نتنياهو فى حديثه الأخير، وهو الارتباط العضوى بين مخططات نتنياهو لإجبار سكان قطاع غزة على الرحيل وبين تحرّكات الإخوان الأخيرة فى الهجوم على مصر والهجوم على سفاراتها فى الخارج. فقد دشّن الإخوان ومن سار على دربهم حملاتهم الخبيثة خلال الشهر الماضى على مصر، وأعلنوا أنّهم سيحاصرون مقرات السفارات المصرية فى الخارج، وأنّهم سيغلقون أبواب تلك السفارات لأن مصر – حسب مزاعمهم – تغلق معبر رفح.
بل وصل الأمر إلى تظاهر الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر (الجناح الإخوانى فى الأراضى المحتلة) أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، فكان المشهد الأكثر عبثية فى تاريخ القضية الفلسطينية؛ حيث حصلوا على تصريح بالتظاهر من سلطات الاحتلال التى تواصل عدوانها على قطاع غزة، من أجل التظاهر أمام سفارة مصر! وبدلًا من التظاهر ضد العدو المباشر وضد من يدعمه ويسانده ويؤيد سياساته العدوانية، كان التظاهر ضد مصر بزعم أنها تشارك فى حصار سكان قطاع غزة.
وهو ما يتفق مع السردية الإسرائيلية، ويعزز تصوّرات نتنياهو بشأن ما يسمّيه «هجرة طوعية لسكان القطاع».
الأمر لم يعد بحاجة إلى توضيح، فالتوافق بين سياسات نتنياهو ومخططاته من جانب، وتحركات الإخوان وحملاتهم ضد مصر من جانب آخر، بات ظاهرًا لكل ذى عينين.
لقد كشف البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية ردًا على حديث نتنياهو صلابة الموقف المصرى فى مواجهة مخططات إسرائيل. وجاءت بيانات تأييد الموقف المصرى الصادرة عن الدول العربية لتؤكد الدعم الكامل لمواقف مصر فى هذا الصدد.
والمطلوب الآن هو رفع مستويات التنسيق بين مصر ومختلف الدول العربية والإسلامية لمواجهة مخططات نتنياهو، وقيادة حملة دولية لمنعه من تمرير مشروع التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، وتقديم كل أشكال الدعم المطلوب للفلسطينيين من أجل الصمود فى مواجهة جرائم الحرب الإسرائيلية فى غزة والضفة الغربية على حد سواء.
مطلوب الضغط الدولى على نتنياهو من أجل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتطبيق آلية توزيع المساعدات تحت إشراف المنظمات التابعة للأمم المتحدة والجهات غير المنحازة. مطلوب تكثيف التحركات على مختلف الأصعدة والتنسيق مع الدول الرافضة لسياسات إسرائيل لوقف العدوان والتقدّم على طريق إبرام صفقة التبادل والانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة.
كل هذا لن يحدث إلا عبر موقف مصرى – عربى – إسلامى موحّد، ومن قبله موقف فلسطينى موحّد قائم على المصلحة العليا للشعب الفلسطينى، لا على الحسابات الفصائلية الضيّقة.