أسئلة نيويورك - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:09 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أسئلة نيويورك

نشر فى : الأربعاء 3 سبتمبر 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 سبتمبر 2014 - 11:35 ص

عندما يطل على العالم من منصة الأمم المتحدة فإن أسئلة التحول الديمقراطى فى بلاده تلاحق أسئلة الإرهاب فى المنطقة.

لتمدد الإرهاب ضغوطه على المراكز الدولية الكبرى، يحطم حدود «سايكس بيكو» فى المشرق العربى ويبنى دولته على نحو ثلث مساحة العراق وسوريا، ينذر بانهيارات بالقرب من منابع النفط فى اليمن، ويأخذ ليبيا إلى مجهول يضرب بعمق استراتيجية جنوب المتوسط، والأمن الأوروبى بدأ يستشعر أنه فى مرمى النيران، وأن تمركز الإرهاب فى أراضيه مسألة وقت.

فى البحث عن إجابة عن خطر داهم فإنه لا توجد أى استراتيجية غربية متماسكة كأن ضربة بهراوة ثقيلة جرت على الرأس بغتة.

أسئلة الإرهاب قد تفرض نفسها بقلق اللحظة على الحيز الأكبر من مداولاته فى نيويورك، لكن أسئلة التحول الديمقراطى لن تبارح المكان.

هناك خلخلة فى مراكز القرار الغربى من تحولات (٣٠) يونيو باعتبارات الحقائق على الأرض ومصالحها قبل أى شىء آخر، وهذه لا تعنى علاقات استقرت أو تغيرا نوعيا جرى.

فى حسابات الدول فإن لاعبين رئيسيين مثل الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» ورئيس الوزراء البريطانى «ديفيد كاميرون» لديهما القلق نفسه من «التمدد الداعشى» وشىء من الرهان على دور مصرى فاعل ومؤثر فى مواجهته من زاويتين مختلفتين.

بالنسبة لـ«بوتين» فللأمن أولويته والحسم فيه مسألة نهائية على ما تحدث فى سوتشى مراهنا على بناء علاقات استراتيجية جديدة مع مصر.. وبالنسبة لـ«كاميرون» فأولويته تختلف، لا ينازع فى ضرورات الأمن غير أنه لا يبدى ارتياحا كبيرا للتحولات المصرية على ما تحدث لشخصيات عربية التقته فى لندن.

بصورة أو أخرى فإن ملف الحريات العامة يطرح أسئلته على الإقليم والعالم دون أن تكون هناك غالبا إجابات تقنع.

القضية سياسية قبل أن تكون إعلامية والثغرات البادية مرشحة للتفاقم.

هناك شىء من التململ يتسع نطاقه بأوساط النخب المصرية على اختلاف توجهاتها بخشية انحسار المجال العام بأكثر مما انحسر.

الخطر الأكبر أن تتقارب كتلة التململ من كتلة النار، وهذا احتمال غير مستبعد على أى نحو ولا فى أى أفق.

فى تجاهل أزمة الدولة مع شبابها مشروع اضطراب محتمل تحت ضغط الاحتقان وتضييق المجال العام يرفع منسوب الغضب.

الشواهد حاضرة لمن يريد أن يقرأ الحقائق على ما هى عليه لا على ما تصوره له الأهواء.

بجملة واحدة: بدأت تتآكل رهانات (٣٠) يونيو.

الفارق جوهرى بين قوة الموقع وحضور الإلهام.. بين مسألة أمن ومسألة سياسة.

رغم أى إنجازات ممكنة وأى جدية فى الالتزام بمواقيتها المعلنة فإن تغييب السياسة ينال من التماسك الداخلى.

بقدر ما تتماسك مصر داخليا فإن منسوب مناعتها يرتفع فى مواجهة الإرهاب المتصاعد، وتصبح أكثر استعدادا للالتحاق بعصرها فى بناء دولة ديمقراطية حديثة وعادلة.

السؤال الرئيسى: «كيف؟».

مرة بعد أخرى يشير إلى المعنى نفسه مؤكدا عليه بصيغ مختلفة مثل: «نحن فى مهمة مشتركة» و«المسئولية أكبر من أن أتحملها وحدى».

تحت ضغط المعنى الملح صك تعبير «ممانعة الدولة» بمعنى ثباتها وتماسكها فى مواجهة أى محاولات لتقويضها.

التعبير أقرب إلى التفكير بصوت عال فى استراتيجية حكم لم تتبلور رؤيته بعد والنظام نفسه لم يولد بعد.

الفكرة الرئيسية على ما طرحها فى أكثر من لقاء معلن «استعادة ثقة الشعب المصرى فى نفسه» و»فى قدرته على الإنجاز والاصطفاف الوطنى ورفع منسوب الممانعة».

هذا إيجابى للغاية لكن معضلته فى وضع تناقض غير صحى وطبيعى بين الإنجاز وضروراته والسياسة ووسائلها.. بين الأمن والحرية.

النظم السياسية أقرب إلى إطارات السيارات، كتلة مواد صلبة قادرة على التحمل فوقها طبقة كاوتشوك تدع الحركة تمضى بسلام وقوة على الطريق.

مؤسسات القوة كتلة المواد الصلبة والمؤسسات السياسية طبقة الكاوتشوك. بلا قوة فإن الدولة غير قادرة على حفظ وجودها وبلا سياسة فإن الحركة على الطريق مكلفة إن لم تكن مخاطرة.

فى تقديره أن مصر تحتاج استقرارا من ستة أشهر إلى سنة حتى يتبدى البناء ملموسا وواضحا.

الطلب طبيعى وأسبابه مفهومة غير أنه يتصادم مع اعتبارات أخرى، فمصر تغيرت فى عمق خبرتها بعد ثورتين ويصعب أن يحكمها أحد مرة أخرى بالطريقة التى حكمت بها من قبل.

الاستجابة للحقائق من مقتضيات النجاح والتجاهل عواقبه لا تحتمل.

بتعبيره: «هل كان الخلاف مع الرئيس الأسبق محمد مرسى حول انقطاع الكهرباء أم على هوية الدولة؟»

باليقين فإن الإجابة «هوية الدولة» لكن انقطاعات الكهرباء مسألة لا يمكن تجاهلها بذريعة أنها لم تكن سببا رئيسيا فى إزاحة «مرسى».

الاستعداد للتحمل من طبيعة الأمل فى المستقبل والرهان على «التضحية» بلا عدل محكوم عليه بـ«الدخول فى الحائط».

الناس مستعدة أن تضحى، وقد ضربت أمثلة فذة فى تاريخها الحديث لأروع معانيها، عندما ترى أن هناك عدلا يضع الحقوق فى موضعها لا أن تتردد السياسات فى حسم ما هو ضرورى من إجراءات تنصف المواطنين الأكثر عوزا الذين راهنوا عليه وإجراءات أخرى تحيل ملفات الفساد المودعة فى الأجهزة الرقابية إلى سلطات التحقيق لترجمة التعهدات المعلنة إلى حقائق تلهم التضحية.

يطلب أن «يكون الشعب على قلب رجل واحد» و«الكل فى واحد» حلم مصرى موغل فى القدم غير أن الوحدة فى التنوع والقوة فى التوافقات العامة التى لا تصنع بغير الوسائل السياسية.

يستشعر كل من يقابله أنه جاد فى طلب تحقيق إنجاز يخرج البلد من أزمته الخانقة لكن النوايا وحدها لا تكفى بلا سياسة عامة أكثر تكاملا تسندها مؤسسة رئاسة كفؤة.

بحسب معلومات أولية فإنه قد يحسم أمره فى مسألة معاونيه ومستشاريه قبل أن يسافر إلى نيويورك مستقرا بصورة شبه نهائية على اسم «مستشار الأمن القومى».

يحتاج أن يحسم الآن أمرا آخر على درجة عالية من الخطورة، فإثارة التساؤلات القلقة حول الانتخابات النيابية ومواقيتها يطعن مباشرة فى الشرعية الدستورية ويعقد مهمته فى نيويورك فى استعادة درجة أكبر من الحضور الدولى.

الالتزام بخريطة المستقبل التى أعلنها بنفسه فى (٣) يوليو هو أساس الموقف المصرى فى مواجهة أى انتقادات وحملات دولية تعرضت لها وأى اهتزاز كلفته باهظة.

ما هو أساسى ضمان نزاهة الانتخابات النيابية وأن تتمتع قوانينها بأوسع قدر من القبول العام وتحديد موعدها بأقرب وقت ممكن.

وهو ملح حسم أى قوانين مقلقة بما يتفق مع الدستور، فهذه مسألة شرعية قبل أى شىء آخر تعانى وطأته الخارجية المصرية فى حوار دبلوماسييها مع العالم.

البداية سؤالا وجوابا من القاهرة قبل نيويورك.