نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن يعرض فيه الأزمات التى تواجهها منطقة غرب إفريقيا الآن والتى ستؤثر على مستقبل المنطقة... نعرض منه ما يلى: يقول الكاتب إن منطقة غرب إفريقيا منذ القدوم الثانى لإفريقيا فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى استطاعت أن تقود تحول القارة نحو الديمقراطية، وترسم ملامح ما بات يعرف بالربيع الإفريقى أو التحرر الثانى. ومع ذلك، فإن انقلاب مالى الذى أطاح بالرئيس «إبراهيم كيتا»، وأزمة الانتخابات الرئاسية فى كلٍّ من غينيا وكوت ديفوار، وتصاعد حدة المواجهات الشبابية مع قوات الشرطة فى نيجيريا؛ قد تفضى جميعها إلى تراجع المكاسب الديمقراطية، وإضعاف الاستقرار والأمن فى المنطقة.
لا شك أن آفة الحكم فى إفريقيا بعد الاستقلال هى البدايات الخاطئة، وعدم تعلم دروس التاريخ. كان الحلم الذى تصوره «كوامى نكروما» يتمثل فى تحقيق المملكة السياسية، وأن يؤدى الاستقلال إلى فترة من التطور الاقتصادى السريع. توقعت النخب الإفريقية أنه مع فك قيود الإمبريالية، سوف يستطيع عملاق إفريقيا النائم توظيف إمكاناته الهائلة التى تم قمعها طيلة سنوات الحكم الاستعمارى. على أن هذه الآمال لم تتحقق. انقسمت النخب المثقفة الإفريقية بين تيارات أيديولوجية وافدة لا تعبر عن الأصالة الحضارية الإفريقية.
يتكرر الجدل الإفريقى اليوم فى ظل جائحة (كوفيدــ19) حول جدوى الإصلاح السياسى والسياسات النيوليبرالية التى تم تبنيها فى أعقاب مرحلة القدوم الثانى لإفريقيا. ثمة حركات احتجاجات جماهرية يقودها الشباب فى مالى وغينيا وكوت ديفوار ونيجيريا. وحتى لو لم تكن هناك ثورات وشيكة فى المنطقة، فستكون هناك بالتأكيد عواقب انتخابية.
***
أشار الكاتب إلى أربعة اتجاهات رئيسية من المرجح أن تعيد الصياغة الجيوستراتيجية لمنطقة غرب إفريقيا.
وهْم الديمقراطية المستعارةيرى الكاتب أن التلاعب بنتائج الانتخابات وعدم احترام القيود الدستورية التى تحدد ولاية الرئيس بفترتين أحد مظاهر التراجع الديمقراطى فى غرب إفريقيا. لقد سعى رئيسا كوت ديفوار «الحسن وتارا» (78 عاما)، وغينيا «ألفا كوندى» (82 عاما)، لولاية ثالثة بعد تمكنهما من تعديل الدستور فى استفتاء شعبى. وعلى الرغم من أن الانتخابات تُجرى بشكل ثابت فى جميع أنحاء المنطقة، فإن مثل هذه التحركات والمناورات السياسية، إلى جانب محاولات الحكومات لخنق المعارضة السياسية، تجعل العديد من مواطنى غرب إفريقيا يفقدون الثقة فى صندوق الاقتراع كوسيلة لمحاسبة القادة وربما يلجئون للعنف.
ولا يخفى أن الشكاوى من افتقار الانتخابات التشريعية فى مالى فى مارس 2020 إلى المصداقية كان أحد العوامل وراء الانقلاب الذى أطاح بحكم الرئيس «إبراهيم كيتا»، كما أن العبث بقيود الفترة الزمنية الخاصة بالولاية الرئاسية يمكن أن يؤدى أيضا إلى عدم الاستقرار. لقد أظهرت منطقة غرب إفريقيا بالفعل فى عام 2019 أكبر انخفاض فى معدلات الحقوق السياسية والحريات المدنية على مستوى العالم، وفقا لمنظمة الرقابة الأمريكية «فريدوم هاوس».
ويُعد الافتقار إلى العناصر الثقافية الحضارية سببا قويا فى أن الديمقراطية على النمط الغربى أدت إلى تشوهات فى إفريقيا بدلا من تحقيق التقدم الموعود. إن خطر الديمقراطية المستعارة أو المستوردة هو أنها قد تحتوى بالإضافة إلى صفاتها المثيرة للإعجاب على عناصر أخرى غير ملائمة قد تكون ضارة بالمجتمع المحلى. وبالتالى، فإن التحدى الذى يواجه النخب الحاكمة فى إفريقيا هو كيفية الدراسة المستمرة لمختلف المجتمعات الإفريقية للتوصل إلى مبادئ وممارسات ديمقراطية قيمة يمكن تكييفها لتعكس الأوضاع الإفريقية المعاصرة.
ثنائية «داعش» و«القاعدة»تناول الكاتب الحديث عن الانقسام العنيف الذى ظهر فى أواخر عام 2019 بين تنظيمى داعش والقاعدة فى منطقة الساحل وغرب إفريقيا. فيرى أن تنظيم «داعش» يخسر لصالح جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بـ«القاعدة»، وذلك بعد سنوات من التعايش وربما التنسيق المشترك فى مسرح العمليات الإرهابية.
فهناك انشقاقات داخل التنظيمين عادة ما تحركها دوافع محلية أكثر منها أيديولوجية. فقد شهد فصيل بوكو حرام الذى يتزعمه «أبو بكر شيكاو» انشقاقات لصالح ولاية غرب إفريقيا الداعشية فى نيجيريا. ومن المعروف أن زعيم بوكو حرام «أبو بكر شيكاو» حصل على اعتراف من الدولة الإسلامية فى عام 2015، وأعاد تسمية مجموعته لتصبح ولاية غرب إفريقيا. بعد ذلك بعام واحد فقط انفصلت جماعة من بوكو حرام بقيادة «أبو مصعب البرناوى» آنذاك عن جماعة «شيكاو»، وحافظ على لقب ولاية غرب إفريقيا واكتسب اعتراف الدولة الإسلامية، وقد أصبح الفصيل الأكثر قوة. ونظرا لوحشية هجمات «داعش» واستهدافها الوجود الغربى فى المنطقة بكل أشكاله فمن المرجح أن تُركز جهود محاربة الإرهاب الدولية عليها مقارنة بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
ويبدو كذلك أن فصيلَىْ «داعش» (فى غرب إفريقيا والصحراء الكبرى) سوف يعززان من قوتهما فى العام المقبل. ولكن وحشية هجمات «داعش» قد تُفضى إلى تآكل سيطرتها الإقليمية فى بحيرة تشاد بسبب ابتعادها عن جهود كسب الشعبى. ومن جهة أخرى، سوف تحتفظ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بمعقلها فى منطقة الساحل على الرغم من الخسائر التى تكبدتها. وسوف تستفيد من تراجع الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والأزمة السياسية التى تعصف بدول غرب إفريقيا، وهو ما يعنى توجيه قوات الأمن نحو العارضة السياسية. ومن المرجح فى ظل هذه الأوضاع السياسية المضطربة وتراجع الجهود الدولية بسبب جائحة (كوفيدــ19)، أن تسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى ترسيخ أقدامها فى مجتمعات شمال ووسط مالى، ومن المرجح أن تبدأ فى إنشاء مؤسسات للحكم، مثل: المحاكم الشرعية، وديوان الحسبة، فى الفترة القصيرة المقبلة.
تداعيات كوفيدــ19يشير الكاتب إلى تقرير «محمد بن شمباس»، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فى منطقة غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، الذى يرى إن جائحة كورونا سوف تؤدى إلى تفاقم دوافع الصراع الموجودة مسبقا. ومن المعروف أن المنطقة تعانى من عدم الاستقرار الاجتماعى والسياسى والأمنى. كما يظل النسيج الاجتماعى فى غرب إفريقيا أشبه بالقنبلة الموقوتة التى تنفجر كلما حدثت أزمات بين مجموعات عرقية متصارعة تتقاتل على السلطة.
المشهد السياسى بالغ التعقيد والتشابك. ليس من المهم أن تكون الأنظمة السياسية بقيادة مدنية أو عسكرية لأن كل طرف يحاول تطبيق أجندات إصلاحية نيوليبرالية تلبى المطالب الغربية. لقد أدت الجائحة إلى تفاقم الاضطرابات فى غرب إفريقيا، حيث خفضت المنظمات الدولية مساعداتها. كما أن الضغوط الاقتصادية التى عانت منها الدول المانحة جعلتها غير قادرة على مساعدة المنطقة مع استمرار الخلاف بين القوى العالمية الكبرى على القيادة المستقبلية. وبسبب هذه العوامل، من المرجح أن تصبح غرب إفريقيا واحدة من أكثر المناطق تضررا فى العالم. حتى فى أفضل السيناريوهات، فإن المنطقة تنتظر فترات صعبة.
وسيؤدى تأثير (كوفيدــ19) إلى صعود الحركات الاجتماعية المناهضة للغرب، والتى تطالب بتغييرات جذرية من جهة، وعودة ظهور الجماعات المسلحة وانهيار الأنظمة الحاكمة من جهة أخرى. كما أن خطة تقليص الوجود العسكرى الأمريكى فى إفريقيا سوف تؤدى إلى تقويض قدرة السيطرة الفرنسية فى المنطقة.
زيادة الكوارث الطبيعيةيشير الكاتب إلى ازدياد حدة الكوارث الطبيعية فى غرب إفريقيا وخاصة فى العقود الثلاثة الماضية. إن الأزمة الإنسانية فى منطقة الساحل، الناجمة عن تغير المناخ والتصحر، وانعدام الأمن الغذائى، وانتشار الأمراض تؤثر الآن بشدة على أجزاء من بوركينافاسو، وتشاد، ومالى، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، والسنغال. وعلى الرغم من تسجيل 154 كارثة فى السنوات الخمس الأولى من هذا العقد مقارنة بـ136 كارثة خلال العقدين الماضيين، فإن هذه الزيادة يمكن أن تُعزى إلى عاملين رئيسيين؛ أولا، الاتجاه السلبى لتغير المناخ الذى يؤدى إلى زيادة مدة الجفاف، والفيضانات والمجاعة وغزو الجراد وفشل المحاصيل والأعاصير المدارية وفيضان الشواطئ فى المناطق الساحلية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر.
ثانيا، مطالب النمو السكانى والتحضر السريع الذى يؤدى إلى استنزاف الموارد الطبيعية وتدهور البيئة، وبالتالى خلق مساحة لتآكل التربة والتصحر والأمراض الوبائية. ومما لا شك فيه أن الآثار البشرية والبيئية والمادية لهذه الكوارث قد ازدادت بشكل كبير، مما يشير إلى زيادة مقابلة فى ضعف الأمن الإنسانى فى المنطقة. من اللافت على سبيل المثال، أن لاجوس، التى تحتضن نحو 60٪ من الصناعات فى نيجيريا، مصنفة كواحدة من أكثر 20 مدينة عرضة للخطر فى العالم.
***
يقول الكاتب إن الخبرة التاريخية تؤكد أن عمليات الاحتجاج الشعبى العنيفة تحول بالتأكيد مسارات المد السياسى فى أى منطقة. ومع ذلك يكون من الصعب التنبؤ بوجهة المسار الذى يسلكه هذا المد الشعبى. لقد دفعت حركة الاحتجاج وما ترتب عليها من مذبحة شاربفيل فى جنوب إفريقيا عام 1960 إلى تكريس سياسات الفصل العنصرى، وفرض ما يشبه العزلة الدولية عليها، فى حين شكلت ثورة سويتو فى 16 يونيو عام 1976 التى استمرت نحو ستة أشهر بداية النهاية لنظام الفصل العنصرى. ربما يتطلع البعض إلى الدروس الأخيرة من تجارب زيمبابوى الجزائر والسودان، حيث بلغت الاحتجاجات التى تصاعدت ببطء ذروتها خلال أسابيع فى ظل تحالف مجتمعى عريض.
مما أدى فى النهاية إلى إحداث تغيير فى قمة الهرم السياسى. هل ما تشهده غرب إفريقيا يمثل نقطة تحول سياسى فارقة؟ من الصعب يقينا تجاوز تصاعد الغضب الشعبى، وتزايد عجز الدولة فى عصر وسائل التواصل الاجتماعى التى تساعد على نقل الصورة مرارا وتكرارا للجماهير التواقة للتغيير. وفى ظل تصاعد حدة عمليات العنف الهجين، وتزايد مخاطر الكوارث الطبيعية والصحية؛ يصبح مستقبل المنطقة ــ ولا سيما الساحل الإفريقى ــ محفوفا بالمخاطر.
النص الأصلىhttps://bit.ly/3jRfwuS