المغرب ــ تونس: أزمـة الرجــولة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المغرب ــ تونس: أزمـة الرجــولة

نشر فى : الخميس 4 فبراير 2021 - 7:20 م | آخر تحديث : الخميس 4 فبراير 2021 - 7:20 م

نشرت صحيفة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، تقول فيه إن أغلب رجال السياسة ينظرون إلى المجال السياسى على أنه فضاء ذكورى بامتياز. فإذا لاحظوا صعود امرأة وتفوقها فى المجال السياسى اتجهوا إلى استخدام العنف اللفظى والنفسى لاستعادة احترام واعتبار الذات.. جاء فيه ما يلى.

مازالت السياسية فى نظر أغلبهم، فضاء ذكوريّا بامتياز حتى وإن ادعوا غير ذلك وحاولوا التأقلم مع واقع جديد انتزعت فيه النساء حقوقا سياسية تجعلهنّ يشاركن فى الأحزاب ويترشحن ويعملن على إبراز مواقفهن والانخراط فى الشأن السياسى بطرق مختلفة. وما رغبة أغلب الفاعلين السياسيين فى احتكار العمل السياسى والزعامة السياسية إلاّ محاولة للدفاع عن الامتيازات الذكورية التى بدت مهدّدة بعد تحوّل عدد من النساء إلى «سياسيات» (وإن كنّ يتماهين مع الأنموذج الذكورى السائد لممارسة السياسية). وفق هذا الطرح نفهم سعى «المشيشي» الحثيث لتطهير الحكومة من لوثة الأنوثة باستثناء وزيرة اتّخذت شرعيتها من عنوان وزارتها: «وزارة المرأة»..، فالمتخيّل الجمعيّ يرفض أن يترأس رجل وزارة امرأة.
وفى نزوع الحكومة هذا المنزع الذكوريّ فى اختيار فريق العمل، وفى عسكرة الفضاء العمومى أثناء الاحتجاجات، ولجوء المؤسسة الأمنية إلى عرض ممثلّى «الرجولة المهيمنة» القادرين على بسط نفوذهم بما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ما يؤكّد التوجّه «الجديد» لراسمى السياسات، وهو توجّه يخدم من اعتبر أنّه آن الأوان للشابات أن يعدن إلى بيوتهن ويلتزمن بالأدوار التقليدية، أمّا الهرج والمرج و«قلّة الحياء» فى الشارع بدعوى المقاومة فإنّها تصرفات تعرّض صاحباتها للعنف اللفظيّ والماديّ. وبالتوازى مع هذا الخيار الذى يريد أن يعيد للرجولة ألقها بحصر المواجهات بين المحتجين/ الذكور (العركة بين الرجال) يستمر تأديب السياسيات فى مجلس شرّع لقانون 58 المناهض للعنف ضدّ النساء.
ونذهب إلى أنّ وراء هذه الموجة من العنف من خارج المجلس وداخله «أزمة رجولة» تجلّت فى سلوك بعض من أتيحت لهم فرصة التموقع فى مناصب صنع القرار. وإذ نصرّ على توظيف هذا المصطلح السوسيولوجى لا نهاب ردّ فعل من سيعتبر أنّ فى ذلك ما يخدش كرامة الرجالة؛ إذ آن الأوان لتسمية الأشياء بمسمياتها. إنّ خروج بعض النائبات عن المتوقّع تقليديّا من المرأة فى المجال السياسى، أى القبول بالصفوف الخلفية وتوظيفها «ديكورا» أو وسيلة لتلميع صورة الحزب، يصدم أغلب المنتصرين لاحتكار المشهد. وكلّما استطاعت السياسيّة انتزاع الاعتراف وتحقيق الانتصارات دبّ الذعر فى نفوس من اعتبروا أنفسهم «رجال السياسية» وتمّ الاستنجاد بصورة الرجل المتسلّط الذى لا يتوانى عن ممارسة «البلطجة» لتأديب من تطاولت على «الرجال»، ومن هنا نفهم صمت الأغلبية. وليس الاعتداء على «المتطاولة» على «الهيبة الذكورية» إلاّ وسيلة لضبط النساء فى المجال السياسى حتى لا يقتدين بـ«سليطات اللسان».
وتتجلّى «أزمة الرجولة» فى ركونها إلى العنف للدفاع عن حضورها ومرئيتها. فكلّما سرقت النساء الأضواء من هذا الصنف من الفاعلين ردّ هؤلاء بافتعال حدث يخرجهم من الحظر الإعلامى ويجعلهم فى قلب الحدث. وما كان لهذا السلوك المعبّر عن نمط «الرجولة المذعورة» أن يسود لولا تواطؤ أنماط أخرى من الرجولة. فثمة من يستدعى هذه الرجولة المعطوبة ويوظفّها لتصفية خصومه من النساء والرجال، وهناك من يحفّز ممثلى هذه الرجولة المذعورة لتثأر من تاريخ زعيم جعل من تحرير النساء مشروعا مركزيا.. ولئن تعدّدت الأهداف فإنّ الجامع هو كره النساء اللواتى يعجز من راهن على احتكار السلطة والهيمنة على الجموع، عن التكيّف مع الواقع الصدامى الذى فرضنه. وعندما يفقد اللاعب فى الحلبة السياسية القدرة على التحكّم فى النساء يغدو العنف الرمزى، واللفظى والمادى والنفسى الوسيلة الأمثل لإعادة الاعتبار إلى الذات المنكسرة التى فضحت أمام الملايين بسبب امرأة دخلت مجال السياسة متسلّحة بأدوات من شأنها ترويض الآخر وكسر شوكته.
لن ننتظر من الشيخ ممثل «الرجولة المنكسرة» بفعل السنّ، ورهانات السياسة المتقلبة داخل التنظيم وخارجه، والمناخ الإقليمى والعالمى، أن يكون حكيما. فأمام فتنة السلطة يبرز التضامن الذكورى، وأمام الصراع السياسى تصبح كلّ الأساليب مشروعة، وأمام الخوف من فقدان الامتيازات يصبح العنف حلالا، وحقّا من حقوق الرجال.
إنّ الأزمات: السياسية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا يمكن أن تحجب عنّا «أزمة الرجولة» وهشاشة أنماط من الرجولات التى لم تستطع أن تشكّل هويّتها الذكوريّة فى مناخ سويّ، وهى أزمة تثبت أنّ العنف ضدّ النساء ليس إلاّ ما نراه فى الظاهر أمّا المسكوت عنه فهو العنف الموجّه للذات والكره الذى يكنّه البعض لذواتهم التى فشلت فى أن تكسب الاحترام وتتمتع بالكرامة.

التعليقات