السلام العادل للفلسطينيين.. وجائزة نوبل للرئيس ترامب - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
الثلاثاء 4 فبراير 2025 9:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

السلام العادل للفلسطينيين.. وجائزة نوبل للرئيس ترامب

نشر فى : الثلاثاء 4 فبراير 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 4 فبراير 2025 - 7:10 م

فى أحد الأيام وقف الرئيس السادات يخطب فى مجلس الشعب المصرى، وأعلن أنه مستعد للذهاب إلى آخر العالم من أجل تحقيق السلام القائم على العدل، وأضاف أنه مستعد للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلى والحديث والتباحث من أجل هذا الهدف النبيل.
كان الرئيس السادات شجاعًا وحكيمًا، وقد صدق فيما قال وقام بزيارته التاريخية التى أسفرت عن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل والتى سيصل عمرها إلى نصف قرن بعد سنوات قليلة.
فى تلك الفترة بات الرئيس الأمريكى جيمى كارتر واحدًا من أكثر الرؤساء الأمريكيين شعبية فى العالم، فقد كان مخلصًا وأمينًا فى مساعيه لتحقيق السلام العادل، وتمنى العالم كله أن يحصل كارتر على جائزة نوبل مع السادات وبيجن فى ذات السنة، لكنه حصل عليها بعدها بعدة سنوات، واستحق مكانه إلى الأبد كإحدى أيقونات السلام فى العالم.
• • •
الرئيس ترامب وأثناء خوضه سباق الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أعلن بقوة وشجاعة أنه سيعمل على إيقاف الحروب فى العالم، وفى مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب الدائرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وأنه سيسعى لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط، ولذلك استبشر الكثيرون فى العالم بتصريحاته، بل أعطته الغالبية العظمى من الجاليات العربية والإسلامية أصواتها وتأييدها مستبشرة بما وعد.
تعاظمت التوقعات الإيجابية بما سيقوم به الرئيس ترامب نحو الفلسطينيين، عندما تبين دوره الإيجابى فى الدفع نحو تحقيق وقف لإطلاق النار فى غزة وعقد اتفاقية الهدنة وتبادل الأسرى.
توقع العالم كله أن تكون الخطوة التالية من الولايات المتحدة والعالم خطوة أكثر رحمة ورأفة بالفلسطينيين فى قطاع غزة الذين فقدوا عشرات الآلاف من أفراد عائلاتهم وشردوا بعد تدمير بيوتهم وأمضوا فى العراء أيامًا مروعة تحت قصف الصواريخ والقنابل التى حملت الموت إليهم.
توقع العالم كله أن الولايات المتحدة التى سلحت إسرائيل بعشرات آلاف الأطنان من الذخائر والصواريخ والقنابل، ستكون اليوم أول من يساعد الفلسطينيين فى غزة على استعادة حياتهم وإعادة بناء بيوتهم، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن.
• • •
كانت تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة مفاجأة للعالم بأسره، عندما أشار إلى أن غزة المدمرة باتت جحيما لا يطاق، واقترح نقل أعداد ضخمة من الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن.
لم تمر لحظات على ذلك التصريح حتى بدأ تأويل كلمة نقل وتفسيرها تفسيرات خطيرة، فنقل هذا العدد الضخم من سكان شعب من الشعوب من أرضه التى عاش عليها هو وآباؤه وأجداده منذ آلاف السنين، يعنى ترحيل، وتهجير، وتطهير، وجميعها تحمل أبعادًا خطيرة تشير إلى أن ذلك ما هو إلا مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية.
أول ردود الفعل على هذا المقترح جاءت على الفور من الفلسطينيين أنفسهم، ومن مختلف القيادات والمسئولين فى السلطة الفلسطينية وكل الفصائل والتنظيمات بالرفض التام للمقترح، أما سكان غزة أنفسهم فقد تحركوا فى مسيرة كبرى لعشرات الكيلومترات سيرًا على الأقدام للعودة إلى مواقع بيوتهم المدمرة معلنين عمليًا رفضهم القاطع لذلك المقترح.
خبراء القانون الدولى من جانبهم أعلنوا أن أى محاولة لتنفيذ ذلك المقترح بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ستعد بمثابة تهجير قسرى يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
ووفق ما ورد فى نظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، فإن إبعاد السكان أو النقل القسرى لهم، متى ارتكب فى إطار هجوم عسكرى أو أسلوب ممنهج وموجه ضد السكان المدنيين فإنه يشكل جريمة ضد الإنسانية.
كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 قد حظرت النقل القسرى الجماعى أو الفردى للسكان من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى، سواء تم ذلك مباشرة بالقوة، أو بأسلوب غير مباشر بدفعهم إلى الرحيل والنزوح باستخدام وسائل الضغط والترهيب.
من جهة أخرى ونقلًا عن عديد من مسئولى الأمم المتحدة، فإن هذا المقترح يتناقض تمامًا مع القرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة التى تؤكد جميعها على الحقوق الثابتة والراسخة للشعب الفلسطينى فى أرضه، وحقه فى إقامة دولته المستقلة عليها.
الأردن الذى كان طرفًا فى مقترح الرئيس ترامب، أعلن مباشرة أن الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين، ووجهة النظر الأردنية محقة تمامًا فى هذا الشأن فأكثر من 50% من سكان الأردن من أصول فلسطينية، وهناك 250 ألف فلسطينى يحملون الجنسية الأردنية فى الضفة الغربية، ما يعنى أن أى محاولة لتهجير الفلسطينيين ستؤدى إلى تغيير ديموجرافى خطير فى الأردن وتهديد لاستقراره، الأمر الذى يمكن أن ينجم عنه تداعيات خطيرة.
• • •
إن مصر أكبر دولة عربية وأول دولة عربية وقعت إتفاقية سلام مع إسرائيل، كان الأساس الراسخ الذى ارتكزت عليه تلك الاتفاقية هو تحقيق الانسحاب الإسرائيلى الكامل من سيناء، ولما تحقق زوال الاحتلال بات السلام وقتها ممكنًا لأنه سلام قائم على العدل والحق، ولذلك استمر قرابة الخمسين عامًا.
والدرس الذى يجب أن يستوعبه الجميع أن ما حدث فى 7 أكتوبر فى غزة كان نتاج وتفاعل تراكمات رهيبة من المعاناة والضغط والترويع الإسرائيلى لأهالى القطاع، وقد يزعم البعض أن غزة قد دفعت ثمنًا غاليًا من الموت والدمار، لكن إسرائيل أيضًا قد تكبدت خسائر فادحة، وهذا هو الثمن الباهظ للحرب.
من أجل ذلك فأى مقترح لا يحقق السلام القائم على العدل بالنسبة للفلسطينيين سيكون مقترحًا لا جدوى منه، لأن الفلسطينيين الذين يكافحون جيلًا بعد جيل منذ ثمانين عامًا من أجل أرضهم وحريتهم وسيادتهم، لن يقبلوا بأقل من السلام العادل مهما حدث ومهما كانت التضحيات.
من المؤكد أن الرئيس ترامب كرجل دولة وسياسى سيكون لديه رؤية أخرى تتجاوز هذا المقترح إلى آفاق أكبر وأكثر اتساعًا للتوصل لاتفاق سلام عادل ودائم ينهى الصراع العربى الإسرائيلى، وهو الأمر الذى أكده الرئيس ترامب نفسه فى خطاب التنصيب الرئاسى بكونه سيعمل كرجل السلام.
تحقيق ذلك السلام العادل والدائم هو وحده الكفيل بجعل الرئيس ترامب زعيمًا تاريخيًا وإحدى أيقونات السلام، ووقتها ستكون جائزة نوبل حقًا مستحقًا له لا جدال بشأنه.

 

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات