كتب فريدريك ستار، الرئيس المؤسس لمعهد آسيا الوسطى والقوقاز وبرنامج دراسات طريق الحرير التابعة لمدرسة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، مقالا نشر بجريدة نيويورك تايمز جاء فيه: منذ أكثر من عشر سنوات، تتواصل الولايات المتحدة مع العالم الإسلامى؛ وتغازل المسلمين المعتدلين، حتى وهى تشن حربا على المتطرفين الدينيين. وقد تركزت معظم الجهود الأمريكية على الشرق الأوسط، من دون نجاح يذكر. وربما يحسن الأمريكيون صنعا، إذا ركزوا على منطقة أخرى، تدعى بنفس القدر أنها معقل حقيقى للإسلام الدول الجديدة، على طول طريق الحرير القديم عبر آسيا الوسطى.
•••
يضيف الكاتب، بينما يتصاعد العنف فى سوريا والعراق وأفغانستان، تشهد بلدان الاتحاد السوفييتى السابق، ذات الأغلبية المسلمة - كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان - حكومات علمانية وأسواقا حرة. وعلى الرغم من أن العديد من محاولاتها متقطعة وغير منتظمة، ولكن يجب على الغرب إدراك أن نضالها للتصالح مع الحداثة يحمل إمكانات هائلة للعالم الإسلامى ككل، ويمكن أن تكون فى يوم من الأيام نموذجا لتعزيز السلام بين الدول المتحاربة. غير أن واشنطن مستمرة فى تقليل الأهمية الثقافية لهذه الدول، وتأثيرها المحتمل.
ويستطرد ستار، فى السنوات المضطربة التى أعقبت الحادى عشر من سبتمبر، بدا تركيز أمريكا على العالم العربى منطقيا. فقد كان الشرق الأوسط، على أى حال، مصدرا للجماعات الإسلامية الأكثر تطرفا. وعلاوة على ذلك، تبدو أهمية مكة المكرمة والمدينة المنورة والقاهرة والقدس مبررا لافتراض أن معركة كسب قلوب وعقول المسلمين ينبغى أن تنطلق من تلك المنطقة. وقد تحدث الرئيسان جورج بوش وباراك أوباما بحماس عن إسهامات العالم العربى الروحية والعلمية للبشرية. ونصح كل من الرجلين الشعب العربى بتبنى «الإسلام الصحيح» الذى يحمى التسامح الفكرى ويتبنى التعليم المدنى. ولكن، أمنياتهما، تواجهها حقيقة أن الكتب الأجنبية التى يجرى ترجمتها ونشرها فى الشرق الأوسط بأكمله، أقل مما تشهده إسبانيا. ولكن يبدو أن أيا من الرئيسين لم يدرك أنه على الرغم من العديد من أعظم عباقرة القرون التى مضت بين سقوط روما وعصر النهضة الأوروبية الذين ألفوا كتبهم باللغة العربية، لم يكن معظمهم، فى الواقع، عربيا. ومنذ ما يقرب من ألف عام، كانت آسيا الوسطى نقطة إلتقاء الإقتصادات القائمة على التجارة وجميع الثقافات الكبرى فى الشرق الأوسط وأوروبا والهند والصين. ولم يكن فى مختلف أنحاء أوراسيا، من يفوق أولئك الذين يعيشون على طول طريق الحرير العظيم، فى دراسة وتحسين الأفكار والاختراعات وتقنيات التصنيع.
•••
وأشار الكاتب إلى أن آسيا الوسطى، كانت لقرون عديدة، المركز الفكرى والسياسى للعالم الإسلامى - وليس الشرق الأوسط العربى. كما قام عالم من بخارى أوزبكستان حاليا بتجميع ثانى أقدس الكتب الإسلامية « الأحاديث النبوية». وفى كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وجدت الحركة الصوفية الإسلامية، أعظم دعاتها، ومن هناك انتشر التصوف فى جميع أنحاء العالم الإسلامى. ومن بين علماء الدين فى القرون الوسطى، لا يكاد يكون هناك من يطاول أبا حامد الغزالى، من مدينة طوس الحدودية بين إيران وتركمانستان وأفغانستان، الذى كان له تأثير عميق على القديس توما الاكوينى.
كما تتمتع آسيا الصغرى بنصيب الأسد من أعظم الأسماء فى الفقه الإسلامى والفلسفة. كما كان مؤسس علم الجبر، الذى أشار إليه أوباما فى خطابه فى جامعة القاهرة عام 2009، من خوارزم أيضا(أوزبكستان الآن). ولما كان يدعى الخوارزمى بالعربية، فقد نسبت إليه الخوارزميات، وهى فى صميم علوم الكمبيوتر الحديثة. وكان إبن سينا أيضا من أوزبكستان، وكان كتابه «القانون فى الطب» نقلة كبيرة فى العلوم الطبية فى الشرق الأوسط وأوروبا والهند. أما المفكر الكبير، الفارابى، الذى أحيا منطق أرسطو وأضاف إليه، وكتب أعظم دراسات القرون الوسطى فى الموسيقى، من الدولة المعروفة الآن بإسم كازاخستان. وكان الفلكى الرائد أبو محمود خوجندى من خوجاند (طاجيكستان الآن).
•••
أضاف ستار، اليوم، تكافح الدول الوريثة لطريق الحرير القديم من أجل استعادة تراثها. وليست المهمة بالسهلة. ويميل كثير من قادتها إلى السلطوية التى جلبت الاستقرار النسبى لروسيا والإزدهار الهائل للصين. وليست لدى شعوب آسيا الوسطى خبرة سابقة مع الديمقراطية، كما لا تزال تعانى التوترات العرقية، ويحكم كثير من قادتها باليد الثقيلة. ومع ذلك لا تزال هذه البلدان علمانية وأكثر تسامحا مع الأديان الأخرى من معظم نظرائها فى الشرق الأوسط. كما تشهد اقتصاداتها نموا مطردا، وقد تبنت التعليم العلمانى الحديث، وإرسال عشرات الآلاف من الشباب للدراسة فى الخارج. فضلا عن أنها تقوم بتطوير جامعات جديدة خاصة بها، على النمط الأمريكى، إلى حد كبير. ويستخدم العديد منها اللغة الإنجليزية كلغة للتعليم. ويمكن أن يفخر كل منها بجيل صاعد من الرجال والنساء الناشئين على المثل العليا للمجتمع مفتوح. والمؤسف، أن أمريكا، فى نظر العديد من مواطنى آسيا الوسطى، تتركز مصلحتها فى مجال الغاز والبترول فحسب. ومن المتوقع أن يؤدى قرار واشنطن الإنسحاب من أفغانستان هذا العام، إلى تآكل النفوذ الأمريكى فى الوقت الذى يمكنها فيه تحقيق أقصى فائدة - خاصة وأن حالة الإزدهار المتصاعد، تزيد من الضغط على الحكومات لتخفيف قبضتها. وتمثل الحرية الأكبر مخاطر كبيرة، كما أثبتت صحوة الربيع العربى ذلك للأسف.
•••
ويرى ستار فى نهاية مقاله أنه ربما يكون السعى وراء المثل العليا التى يتبناها الرئيسين بوش وأوباما، أكثر نشاطا خلال السنوات القادمة فى آسيا الصغرى، منها فى الشرق الأوسط، أو باكستان، أو اندونيسيا. وهذا لا يعنى تقليل الاهتمام بالعالم العربى، ولكن ربما حان الوقت للاستماع إلى محاضراتنا عن إمكانيات وجود نسخة من الإسلام سلمية ومنفتحة فكريا، والعودة إلى تلك المجتمعات التى تسعى بنجاح كبير إلى تقديمها اليوم.