الناتو العربى.. هذه روايتى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الناتو العربى.. هذه روايتى

نشر فى : السبت 4 مايو 2019 - 7:15 م | آخر تحديث : السبت 4 مايو 2019 - 7:15 م

نشر موقع «إندبندنت عربية» مقالا للباحث وليد فارس يتحدث فيه عن ما يعرف بالناتو العربى والتحديات التى تواجهه ومستقبله.

يجرى الحديث فى الأوساط السياسية والإعلامية عن التحالف العربى منذ سنوات عدة، ونسمع عن التحالف الذى يعمل فى اليمن بمواجهة الحوثيين والمتطرفين، وعن احتمال نشوء تحالف عربى فى سوريا.

وفى واشنطن يتحدثون عن تحالف عربى لمواجهة الإرهاب، ومع ذلك لم نر طوال هذه السنوات مأسسة لهذا التحالف، وإنما إعلانات استراتيجية مهمة وعمليات تنسيق بين أركانه، وبالمقابل تحاول بروباجندا الإخوان المسلمين، وإيران زعزعة التفاؤل بهذا التحالف، والزعم أنه فشل فى كل مكان لإحباط الشارع العربى ودفعه إلى عدم المراهنة عليه.

فى ظل هذه الروايات التى تتناول التحالف، الإيجابية منها والسلبية، لا بد من تقديم مراجعة تاريخية لظروف ولادة التحالف العربى ونشأته والمقترحات التى قُدمت من بعض الحكومات والمسئولين، كما سيقدم المؤرخون فى المستقبل، الرواية الدقيقة لقرار إنشاء التحالف على مراحل ومن أماكن مختلفة.

من جهتى، أقدم روايتى الشخصية التى أعرفها، فعلى الصعيد النظرى وخلال عام 2009 الذى شهد معارك عنيفة فى محافظة صعدة باليمن ونمو النفوذ الإيرانى فيها، تحدثت عن ضرورة أن يكون الرد على التدخل الإيرانى مشتركا بين دول عربية عدة، ونشرت فى العام نفسه كتابا حمل عنوان المواجهة: الاستراتيجيات الجديدة ضد الإرهاب، حيث تحدثت عن ضرورة إقامة تحالفات دولية وإقليمية لمواجهة الخطرين الناميين فى المنطقة، خطر الجهاديين التكفيريين، وخطر التوسع الإيرانى.

ومع انطلاق شرارة ثورة الشعب المصرى ضد تنظيم الإخوان المسلمين عام 2013، ركزت فى إطلالاتى الإعلامية على وسائل الإعلام العربية والمصرية، على ضرورة وقوف العرب مع الشعب والمؤسسات فى وثبتهم ضد نظام الإخوان. ودعوت إلى إقامة تحالف واسع، واعتبار مصر الجهة الأساسية للمواجهات التى سيخوضها هذا التحالف ضد الفكر المتطرف للقضاء عليه، ورأينا كيف أن المملكة العربية والسعودية والإمارات والبحرين، وقفت إلى جانب الشعب والقوات المسلحة عندما قاموا بعملية التغيير فكانت هذه المرحلة الثانية من موجبات قيام التحالف.

فى عام 2014 وعلى إثر سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة من العراق وسوريا، حدثت لقاءات مع مسئولين سعوديين فى واشنطن، اقترحت خلالها قيام الرياض بالدعوة إلى تشكيل تحالف عسكرى يقوم بمساندة التحالف الدولى لتنفيذ عمليات ضد داعش، وإقامة مناطق آمنة مستقرة فى الدولتين بانتظار التوصل إلى حلول سياسية فى بغداد ودمشق، وفى العام نفسه تحاورت مع مسئولين مصريين حول الموضوع نفسه، وزرت القاهرة فى السنوات التى تلت والتقيت مع شيخ الأزهر، وبابا الأقباط، ونواب وشخصيات رسمية مصرية، وكان الحديث يدور دائما حول ضرورة أن تكون مصر والإمارات والسعودية نواة أساسية لهذا التحالف.

نهاية عام 2015 التقيت بالمرشح الجمهورى للانتخابات الرئاسية الأمريكية، دونالد ترمب وأطلعته على أفكارى، ورسمنا خرائط على طاولة مكتبه فى نيويورك حول ما يمكن أن يقوم به التحالف العربى، ورحب جدا بالفكرة، قائلا إنه سيستخدمها فى حملته الانتخابية، وسيعتمدها كسياسة فى إدارته حال نجاحه بالانتخابات، وخلال الحملة الانتخابية عام 2016 وإثر تعيينى مستشارا للعلاقات الخارجية للمرشح الرئاسى يومها، تحدثت خلال لقاءاتى مع الدبلوماسيين العرب والأجانب عن ضرورة إعلان هذا التحالف بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأطلقت عليه اسم «الناتو العربى»، كما تحدث ترمب مرارا عن هذا المشروع، وبعد الفوز بانتخابات 2016 زرت أبوظبى والتقيت بقيادات إماراتية رفيعة المستوى وتباحثنا فى موضوع التحالف وكانوا من أشد المرحبين بفكرة التحالف والداعمين لها.

الإشارة الأقوى للإدارة الأمريكية فى هذا السياق جاءت مع زيارة الرئيس ترمب إلى الرياض فى مايو 2017، حيث طالب الزعماء العرب والمسلمين بتشكيل قوة مشتركة لمواجهة الإرهاب، وقال عبارته الشهيرة ادفعوهم إلى الخارج، وحذر من خطورة إيران. يومها ظهر جليا أركان التحالف الرئيسيين السعودية والإمارات ومصر، ويلاقيهم الرئيس الأمريكى على الشطر الآخر من الأطلسى.

بعد هذا الإعلان فى قمة الرياض، لم يتبلور التحالف بالشكل المطلوب، فكان يتقدم فى بعض المواقع ويتعثر فى أخرى، ومن أهم الأحداث التى أثرت على صعود التحالف، الرفض القطرى له ورغبة الدوحة بالتنسيق مع إيران، ما دفع بالقيادة الإماراتية والسعودية، أركان هذا التحالف، إلى مقاطعة قطر، ولم تسمح الأوضاع الأمريكية الداخلية للرئيس ترامب بالضغط أكثر فى هذا الموضوع، وتمكنت جماعات الضغط من دفع الكونجرس إلى مضايقة الرياض فى موضوع اليمن، وتم التهديد بقطع المساعدات العسكرية عن مصر، ووجهت انتقادات لاذعة للإمارات، ولعل عدم وجود قيادة مركزية للتحالف تتعاطى مع كل الإشكالات، بالإضافة إلى غياب إدارة ترامب بسبب المشاكل الداخلية ساهمت فى إبطاء عمل التحالف.

غير أنه فى عام 2018، قام ترامب بعمل مهم لمصلحة التحالف بعد إعلان انسحابه من الاتفاق النووى الإيرانى بالتنسيق مع دول التحالف، وعُدّ هذا نصرا مهما بعد عام من قمة الرياض، ثم وضع عقوبات قاسية على النظام الإيرانى وحزب الله، وجاء القرار الأهم بإدراج الحرس الثورى على لائحة الإرهاب.

وإذا أردنا ان نقوِّم التحالف من الناحية الاستراتيجية، فلا بد من القول، إنه حقق نجاحا كبيرا من خلال تضامن الدول الأعضاء الأساسية (الإمارات والسعودية والبحرين ومصر) ومعها الجيش الوطنى الليبى وقوى معارضة فى المنطقة. إن استمرار هذه القوى بالمواجهة هو نجاح أساسى، والمطلوب الآن الوصول إلى النجاح الاستراتيجى الأكبر، والظروف أصبحت ملائمة فالرئيس ترامب تحرر من الضغوط الداخلية المتمثلة فى التحقيقات الروسية، وبات قادرا بعد إدراج الحرس الثورى وإنهاء داعش على الحدود العراقية السورية، على التحرك على المحاور جميع، ولذلك المطلوب إعادة إطلاق التحالف من خلال مؤتمر ثان يُمكن عقده فى الرياض، أو أبوظبى، أو القاهرة، وحتى فى واشنطن، وإعلان تشكيل القوة العسكرية العربية المشتركة التى ستعطى العرب ثقة أكبر وهم يشاهدون قوة موحدة تمثلهم وتواجه الإرهاب فى كل الساحات، والأهم تشكيل جهاز إدارى للتحالف على غرار الناتو فى بروكسل، وافتتاح مكتب له فى واشنطن كى يتمكن من الدفاع عن أفكاره وإقامة العلاقات المطلوبة لتوفير سبل النجاح. هذه دعوة منى لإطلاق المرحلة الثانية من التحالف العربى.

التعليقات