أعتقد أن كل من لايزال محتفظا بالحد الأدنى من آدمية بعيدا عن انتمائه السياسى قد وقف مبهوتا أمام اعتقال فتيات الإسكندرية على النحو المُهين الذى شاهدناه؛ بل وراعه أن تهمة هؤلاء الزهراوات لا تتجاوز التظاهر المناوئ للسلطة... أى ببساطة لم يصلن حتى لانتهاك قانون التظاهر فى نسخته المشوهة؛ بل كل تهمتهن فقط.. التظاهر.
الوضع الأمنى المضطرب ولو ازداد على حالته الراهنة سواء ألف مرة لن يبرر أبدا هذا التعامل المنحط أخلاقيا وإنسانيا مع فتيات المصريين، وأضعف الإيمان لو أردت إلقاء القبض على إحداهن لتجاوزٍ أو لاشتباه أن تستعين بعناصر الشرطة النسائية وأن تُشدد عليهن فى صيانة أعراض المعتقلات...كذا يُلزمك دينك وتحتم عليك مروءتك وتُملى عليك آدميتك...أم أنك لا تكترث لواحدة ٍمن الثلاث؟ لا بأس إن كنت لا تكترث...فثمة قوانين للكون أشد صرامة فى التطبيق من قوانينك الشخصية السادية... منها قانون: «افعل ما شئت فكما تدين تُدان».
هل نسى جهاز الشرطة أن تراكم فيديوهات وصور انتهاكه لحقوق الإنسان وأساليب التعذيب الممنهج التى اتبعها على مدار العشر سنين الأخيرة من عمر نظام مبارك التى تُوجت بحادثتى خالد سعيد والسيد بلال كانت السبب الرئيسى فى تصاعد الغضب الشعبى ضده؟ حتى وصل هذا الغضب أوجه يوم ٢٨ يناير فامتد ليعم الصالح والطالح لمجرد انتمائه لهذا الجهاز؟
ممارسات التعذيب والإهانة وانتهاك الحقوق الآدمية التى تتواتر بها الأنباء ليست وليدة الثلاثين من يونيو بل ربما هى من قبل ذلك التاريخ ببرهةٍ... لكن الحق أنها زادت بشكلٍ يصعب توصيفه فى إطار التجاوزات الفردية ليلفت النظر من جديد إلى الخلل الأصيل فى تكوين عقيدة الشرطة المصرية تجاه التعامل مع المواطنين.
فلتُراجَعْ إذن هذه العقيدة وبأسرع وقت ٍممكن، وثمة خبراء تربويون عملوا بالجهاز الأمنى سابقا فلا تنقصهم خبرة الميدان وهم قد قدموا عشرات الدراسات لتطوير أداء المنظومة الأمنية وأسلوب تعاملها مع المدنيين... وهؤلاء من يزيدوننا يقينا فوق اليقين بإمكانية الجمع بين حفظ الأمن والكرامة الإنسانية فى آنٍ واحد.
وحتى لا يوجه اللوم لطرفٍ ظالم ٍواحد من أطراف المعادلة ونترك الباقين، فإن السؤال المُقرع ينبغى أن يتوجه إلى كل الحقوقيين ومنظماتهم... هل عرض فتيات اسكندرية أقل فى الشأن والاهتمام من عرض فتاة أحداث مجلس الوزراء، أم أن انتماءهن السياسى قد حجب الرحمة بهن ومنع الرأفة لحالهن؟