هل خطوة تحرير سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية التى اتخذها البنك المركزى صباح الخميس الماضى صحيحة أم خاطئة؟!
ليس مهمًا الإجابة.. المهم هو النتيجة التى ستحدث على الأرض.
فى تقدير كثير من المراقبين والخبراء فإن ما حدث كان حتميا لأننا وصلنا إلى مرحلة لم يعد فيها ممكنا استمرار الطريقة القديمة، ما حدث هو من قبيل الإجراءات شديدة الإيلام التى سمعنا عنها كثيرا وها نحن الآن نراها أمام أعيننا مطبقة على أرض الواقع.
لكن النجاح والفشل أمر نسبى، وفى هذه القضية تحديدا يتوقف الأمر على الطريقة التى سيدير بها البنك المركزى والمجموعة الاقتصادية الأمر فى الأشهر القليلة المقبلة.
فى تقدير أحد الخبراء فإن تسريب معلومات صباح الخميس عن ضخ أربعة مليارات دولار فى السوق ثم التراجع عنها والاكتفاء بـ١٠٠ مليون دولار فقط، كانت رسالة غاية فى السلبية، لأنها لا تعطى ثقة فى الجنيه أو ربما فى أى إجراءات مقبلة، حيث إن التواصل الناجح والمستمر بين الحكومة والمستثمرين والشعب هو عنصر مهم فى هذا الأمر، لكن مصدرا آخر يقول إن حكاية المليارات الأربعة التى لم يعلن عنها رسميا ربما جاءت فى إطار الحرب النفسية وتكسير العظام بين البنك المركزى ولوبى تجار العملة حتى ظهر الخميس الماضى. وتقديره أن الحكومة لم تكن تمتلك هذا المبلغ سائلا، وإذا ملكته فالأفضل أن تحتفظ به للأيام الصعبة المقبلة، وخبير آخر أثق فى رجاحة عقلة ونزاهته قال لى إن نجاح «المغامرة» التى أقدم عليها البنك المركزى ستعتمد على تحقيق ثلاثة عناصر أو شروط رئيسية:
الأول أن يستقر سعر صرف الدولار على وضع معين خلال الأشهر الستة المقبلة بحيث لا يتجاوز عتبة الـ١٨ جنيها، لأن الأسعار الفعلية فى الوقت الراهن ربما تكون قريبة من هذا السعر.
الشرط الثانى: ألا ترتفع أسعار السلع الرئيسية على ١٥٪ نتيجة زيادة أسعار الوقود التى تمت مساء الخميس بعد ساعات من تحرير الجنيه. هذا الخبير كان يتحدث معى قبل الاعلان عن هذه الزيادة، وكان تقديره أنها ينبغى ألا تقل عن ٤٠٪ حتى تحقق هدفها فى تقليل عجز الموازنة، وألا تزيد على ٧٠٪ حتى لا يحدث انفجار اجتماعى لا يمكن السيطرة عليه. وما حدث أنها تمت فى اطار الحد الادنى وتأرجحت بين 31% و48%.
الشرط الثالث: ألا يزيد معدل التضخم الناتج عن رفع الدعم عن أسعار الوقود على ١٥٪.
من البديهيات ألا يكون هناك سعران للدولار، لكن ليس معنى ذلك أن نترك سعر الدولار يقفز إلى ٣٠ جنيها من أجل أن نحافظ على هذا السعر الواحد؛ لأنه فى هذه الحالة نعمل مثل الطبيب الذى قال إن العملية نجحت رغم أن المريض قد مات!!.
فى تقدير الخبير الاقتصادى فإننا إذا تمكنا من تحقيق هذه الشروط الثلاثة نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق الصحيح للحل الذى تأخر كثيرا.
صار معروفا أننا لن نخترع العجلة، وأن الأزمة لن تنتهى فقط بدعاء الوالدين، رغم أهمية الدعاء لكن بتحقق شروط موضوعية كثيرة.
الدولار ليس كائنا خرافيا يهبط من السماء، ومشكلته فى مصر أن مصادره الأساسية متعطلة، السياحة مضروبة، والاستثمارات خصوصا الأجنبية ضعيفة جدا، وتحويلات المصريين بالخارج تعرضت لضربة قاصمة، وتباطؤ التجارة العالمية أثـَّر على دخل قناة السويس، والإنتاج يتراجع وكذلك الصادرات، أضف إلى كل ذلك تخبط الحكومة فى الفترة الماضية، والسياسة الاقتصادية التى قادت إلى انفلات أسعار الدولار وارتفاع أسعار غالبية السلع، التى طحنت فى طريقها كل الفقراء وغالبية الطبقة الوسطى.
إذًا الحل هو أن تتغير كل هذه العوامل السلبية لتصبح إيجابية، وبالتالى فإن الكرة فى ملعب الحكومة والبنك المركزى، إذا أحسنت فإن الأزمة سوف تنفرج، والعكس ــ لا قدر الله ــ صحيح وكارثى. إذًا القاعدة هى أنه ما لم يكن لدينا إنتاج كبير وصادرات واستثمارات وسياحة واستقرار، فإن المشكلة سوف تستمر مهما اتخذنا من قرارات.
أتمنى التوفيق من كل قلبى للحكومة والبنك المركزى والنجاح فى هذه الخطوة؛ لأن الفشل ــ لا قدر الله ــ سوف يدفع ثمنه كل المصريين.