ما أروع العدل.. وما أقسى الظلم - ناجح إبراهيم - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 5:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما أروع العدل.. وما أقسى الظلم

نشر فى : الجمعة 4 نوفمبر 2016 - 9:05 م | آخر تحديث : الجمعة 4 نوفمبر 2016 - 9:05 م
• كان عبدالرحمن بن الأشعث قائدا عسكريا محنكا من تلاميذ الحجاج بن يوسف الثقفى أرسله الأخير للحرب على الحدود التركية، وبعد أن حقق انتصارات مدوية خشى على جندوه من التوغل فى هذه البلاد، فأجل استكمال الهجوم للعام المقبل، ولكن ذلك لم يعجب الحجاج واتهمه بالجبن والضعف وهدده بالعزل.

• غضب ابن الأشعث لذلك وشعر بالإهانة، وعزم على جمع الناس للثورة على الحجاج الذى كان الجميع يكرهه، لأنه كان معروفا بالظلم والبغى وسفك الدماء بغير بحق وتعذيب الناس وسجن الآلاف.

• جمع ابن الأشعث آلاف الجنود، فضلا عن عشرات الآلاف من الناس لخلع الحجاج، وقام شعراء العراق وخطباؤهم يعلنون خلع الحجاج وعاهدوا ابن الأشعث على ذلك، انضم الفقهاء والعلماء وأهل القرآن إلى الثورة لخلع الحجاج الذى أراهم الويلات.

• كون الفقهاء كتيبة كاملة وقال لهم أئمتهم مثل سعيد بن جبير وجبلة بن زهر «أيها الناس ليس الفرار من أحد بأقبح منكم فقاتلوا عن دينكم ودنياكم».

• سمع الحجاج بالثورة ضده واجتماع الجميع فى العراق لخلعه فانزعج بشدة.

• حذر البعض ابن الأشعث «لقد وضعت قدميك فى ركاب طويل، ابق على أمة محمد وانظر إلى نفسك فلا تهلكها، ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تفرقها».

• عرض الخليفة عبدالملك بن مروان على أهل العراق عزل الحجاج وأن يعطيهم عطايا مثل أهل الشام وأن يختار ابن الأشعث أى بلد يكون حاكما لها.

• كان العرض جيدا ويحقق مطالبهم، ولكن الحماسة والاغترار بالقوة والعوام غرهم وقالوا: «نحن أكثر عدة وعددا منهم، رفعوا من سقف مطالبهم بعزل الخليفة نفسه والتخلص من حكم بنى أمية».

• استعد الجيشان للحرب، تقاتلا فى 80 معركة كان أشهرها معركة «دير الجماجم» التى استمرت مائة يوم ــ أى أكثر من حرب أكتوبر بكثيرــ استهدف الحجاج بلؤمه فى المعارك كتيبة العلماء غير المحترفين عسكريا والذين يحمسون الناس، قتل آلاف العلماء والفقهاء والدعاة وحفظة القرآن.

• عندما شعر ابن الأشعث بالهزيمة فر إلى رتبيل عدوه السابق الذى يحكم بلاد الترك، لكن الحجاج هدد الأخير بالغزو، فسلم له ابن الأشعث مقابل بعض الأشياء، فى كل العصور اللاجئ السياسى سلعة تباع وتشترى بين الدول.

• قبض الحجاج على مئات العلماء والفقهاء وسامهم سوء العذاب وقتل أكثرهم، قبض على إمامهم سعيد بن جبير وكانت له قصة شهيرة مع الأخير دعا ابن جبير قبل أن يقتله الحجاج «اللهم لا تسلطه على أحد بعدى» فاستجاب الله له.

• كان الحجاج لا يوقر عالما لعلمه ولا شيخا لسنه ولا صحابيا لصحبته فقد سب من قبل الصحابيين جابر بن عبدالله وسهل بن سعد، وقال عن ابن مسعود إنه رأس المنافقين، وقال لأنس بن مالك:ــ لأستأصلنك كما تستأصل الشاة.

• انتهت الثورة، بقى الحجاج وازداد ظلمه، بقى عبدالملك بن مروان، ازدادت سلطتهم وسطوتهم مات الحجاج بعد ذلك تاركا قرابة ثلاثين ألف سجين بينهم بعض النسوة أطلقهم جميعا سليمان بن عبدالملك.

• كان من أعظم حسنات عمر بن عبدالعزيز أنه عزل كل مسئول فى الدولة عمل من قبل مع الحجاج مطلقا صيحته الرائعة: «كفى به سوء أنه عمل مع الحجاج» لأن الحجاج كان بينه وبين إبليس نسبا كما وصفه عبدالملك بن مروان نفسه.

• فشلت الثورة بعد أن سالت أنهار من الدماء، لم تنصف هذه الثورة مظلوما ولا رفعت ظلما ولا أقامت عدلا ولا حقنت الدماء ولكنها أسالتها بغزارة وأولها دماء العلماء والفقهاء، لم يعزل الحجاج بل ازداد بغيا وقهرا، وحشر الناس وأولهم أهل الفضل والنعم إلى السجون حشرا.

• دخول العلماء والفقهاء فى هذه الثورة كان خطأ جسيما، فقد مات أمثال سعيد بن جبر وأشباهه فى وقت كانت الدنيا كلها أحوج ما تكون إلى علمهم وفقههم، كان يمكن للثورة أن تنجح لو أنها اكتفت بخلع الحجاج وحده، ولكنها أرادت كل شىء فضاع منها كل شئ، لم تتعلم أن من زايد على المستحيل أضاع الممكن من بين يديه.

• كان نتاج هذه الثورة مفزعا 130 ألف قتيل بينهم الأخيار والسادات والعلماء وأشراف الناس فضلا عن القادة والجنود من الجانبين، أسر الحجاج الآلاف قتل منهم خمسة آلاف أسير صبرا «أى إعداما»، ترى أى فاجعة أعظم من ذلك.

• الجدوى لا تقل أهمية عن الفتوى، ومآلات الأمور لا تقل أهمية عن أسبابها ودوافعها، فقه النتائج والمآلات فقه عظيم نغفل عنه جميعا يلحقه مباشرة «فقه المصالح والمفاسد»، فكل أمور السياسة والحكم والثورات وغيرها من الأمور الحياتية يضبطها هذان الفقهان.

• الحكام يتشابهون كثيرا، الغالب عليهم هو غياب العدل السياسى والاجتماعى ولكن بدرجات، والثورات ومآلاتها فى الوطن العربى والإسلامى تتشابه، تبدأ نظيفة شريفة ثم تتلوث، يصنعها الأبطال والشهداء ويركبها الأفاقون، ويجنى ثمرتها الانتهازيون.

• الثورات تبدأ سليمة ثم مولوتوفية ثم يركبها المسلحون، تبدأ بالهتاف الصادق المكلوم وتنتهى بالدماء والسجون مع الحرائق فى المؤسسات والنفوس ثم التعذيب.

• تبدأ الثورات عادة بغلق السجون وتنتهى عادة بفتحها على مصراعيها، تبدأ بوقف التعذيب وتنتهى بأشرس فترات التعذيب.

• لك أن تطبق ذلك كله على الثورة السورية التى أدت إلى أسوأ المآلات، والجميع الآن يتمنون عودة الوضع الأول لسوريا، فقبل الثورة مظالم قليلة، تعليم جيد، لا ديون خارجية لا عصبية مذهبية أو اقتتال مذهبى، بلاد نظيفة وشعب جميل واستئثار الحكام بالسلطة والنفوذ والمال وتحويل الجمهورية إلى ملكية فى ثوب جمهورية كغيرها من البلاد، والآن ليست هناك سوريا على الإطلاق، لا شعب موجود، لا حكومة، لا تعليم، لا جامعات، لا اقتصاد، لا شىء، جيوش العالم كله ومخابراتها تعربد هناك، والكل يحارب بالوكالة عنهم.

• بعد سنوات من موت الحجاج وعبدالملك بن مروان حدث التغيير من داخل منظومة الحكم، وأتى على قدر مع هذه الأمة معجزة الإسلام عمر بن عبدالعزيز الذى استطاع فى عامين ما لم يستطعه أعظم الحكام فى سنوات طوال، العدل هو السر فى خلود الحاكم، ما أروع العدل وما أقسى الظلم، اللهم ارزق أمتنا العدل.
التعليقات