ما هى لحظة العمر؟ أو اللحظة الفارقة فى حياتك؟ أو أجملها وأحلاها؟ هل هى لحظات الزفاف؟ أم لحظة التخرج من الجامعة أو الحصول على الماجستير والدكتوراه، أو الترقى إلى مرتبة الوزارة؟ أم الوصول إلى رتبة اللواء التى يحلم بها كل ضابط صغير؟
كل هذه تمثل لحظات رائعة فى العمر، ولكن هناك لحظات فارقة فى عمر الإنسان أسمى وأعظم من تلك اللحظات التى قد تحمل سعادة وقتية،
فلم تكن البغى التى سقت الكلب الذى كان يلهث من العطش تعلم أن هذا يوم سعدها وفخرها الأكبر؛ حيث شكر الله لها وغفر لها من فوق سبع سموات، فالله جل جلاله يشكر «لبغى تمتهن الدعارة» صنيعها مع كلب عطشان رأته يلهث فرق قلبها وتحركت معانى الرحمة فى قلبها فأضاءت أنوار الرحمة ظلمة المعصية وأذهبتها، لم تجد شيئا تسقيه به سوى حذائها فخلعته وملأته من البئر وغامرت بنفسها فى مكان لا يراها فيه غير الله دون رياء ومع حيوان لن يرد جميلها فكانت هذه هى اللحظة الفارقة فى حياتها.
أما الرجل الذى مر بالطريق فوجد شوكا يؤذى الناس فقال «والله لأنحين هذا عن طريق الناس لا يؤذيهم» فغفر الله له، هذا الرجل لم يعلم بأن هذا العمل البسيط الذى فعله مخلصا لربه سيكون أعظم أعماله ويومه أجمل أيامه حيث مغفرة الله له.
أما يوسف عليه السلام فلم يكن يعلم أن تعففه عن نداء امرأة العزيز ذات المنصب والجمال «هَيْتَ لَكَ» بقوله «مَعَاذَ اللهِ» هى التى ستؤهله لجائزة «إِنَهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ» وأن عفوه عن إخوته وصفحه عنهم بعد أن ألقوه فى البئر وباعوه بثمن بخس دراهم معدودة فرد عليهم «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ» وهذه هى التى أهلته لجائزة «إِنَا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».
أما أصحاب غزوه بدر الذين استجابوا للرسول رغم ضعفهم ولم يخافوا عدة وعتاد المشركين فلم يعلموا أنهم سينالون بذلك وسام «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فإنى قد غفرت لكم» فكان «يوم الفرقان يوم التقى الجمعان» أجمل أيام حياتهم.
أما إبراهيم عليه السلام فلم يكن يعلم أن امتثاله لأمر ربه «بذبح ابنه» كأعظم اختبار للعبودية سيمنحه أعظم الأوسمة «خليل الرحمن» وسيهديه وسام «إِنَ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَة» أى جامع لخصال الخير وكأنه أمة كاملة.
أما صهيب الرومى فلم يكن يعلم أن تضحيته بماله فى سبيل دينه ستمنحه أعلى وسام خلعه النبى عليه وهو «ربح البيع يا صهيب».
لم يجد موسى عليه السلام مهدا آمنا فى بيته وخافت أمه عليه من بطش فرعون «وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِ مُوسَى فَارِغا» فجعل الله نهر النيل الذى يغرق الكبار مهدا للطفل الصغير، ثم ساق الأقدار ليعيد وليدها العظيم إليها وتنال أجرا للرضاعة «فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِهِ كَيْ تَقَرَ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ».
أما «حنة زوجة عمران» جدة المسيح عليهم السلام فلم تعلم أن لحظة وهبها للجنين فى بطنها ليتفرغ للعبادة ستكون هى اللحظة الفارقة فى حياتها وستخلد ذكرها على مر الأجيال «إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِ إِنِى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَرا فَتَقَبَلْ مِنِى ۖ إِنَكَ أَنتَ السَمِيعُ الْعَلِيمُ» فرفع الله ذكر الأجداد والابنة مريم ووهبهم جميعا الحفيد والرسول العظيم عيسى بن مريم.
ولما عفت السيدة مريم وتفرغت للعبادة والتبتل والتأمل والتفكر اختارها الله من بين نساء العالمين لتكون أم النبى العظيم المرتقب عيسى عليه السلام «إِنَ اللَهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»، ولما ظلم على بن أبى طالب وحيل بينه وبين إقامته دولة الحق والعدل على يديه قامت باسمه دول كثيرة بعد مماته.
أما الحسن بن على فلم يكن يتخيل أنه حينما يتنازل عن الخلافة طوعا حقنا للدماء وتغليبا للصلح والوئام بأن الرسول سيمنحه وسام «إن ابنى هذا سيد» فتنازل عن سيادة الدنيا ليحوز سيادة الدارين المطلقة التى لا نهاية لها.
ولما اغترب سلمان الفارسى عن أهله وأسرته الأثرياء بحثا عن الحق حتى رضى بالعبودية ليقترب من مكان ومقام النبوة، شرفه الله بالانتساب لآل البيت ومنحه الرسول «ص» وسام «سلمان منا أهل البيت».
عندما حرمت أمة محمد «ص» من طول العمر فقد كانت أعمار من قبلهم تزيد عن ألف عام عوضهم الله بـ«ليلة القدر» التى هى خير من ألف شهر وفيها تتنزل الملائكة والروح فيها.
ولما تبرع أبو بكر بن قحافة بماله كله فى سبيل الله وصدق الرسول ونصره فى كل المواطن نال وسام «الصديق» وشهد القرآن له «وَالَذِى جَاءَ بِالصِدْقِ وَصَدَقَ بِهِ ۙ»، وقال الرسول قبل موته «أغلقوا كل باب إلا باب أبى بكر».
أما مسيلمة الذى ادعى النبوة وسمى نفسه «رحمن اليمامة» فقد وصمه الله على مر الدهور بالكذاب فلا يطلق اسمه إلا والكذب مرادف له «مسيلمة الكذاب».
احرص على لحظة الخير الفاصلة ودع عنك ضربة الشر القاضية.