اعتبر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن ما جرى يوم الثلاثاء العظيم من تراجع كبير فى تقدم السيناتور بيرنى ساندرز بمثابة «الانقلاب»، ودفعت نتائج السباق الديمقراطى للتنافس على بطاقة الحزب لمواجهة ترامب فى نوفمبر السابق لتصدر نائب الرئيس السابق جو بايدن سباق الديمقراطيين على حساب ساندرز.
ودفع فوز بايدن فى عشر ولايات وفوز ساندرز بأربع ولايات لتغير خريطة توزيع المندوبين ليتفوق بايدن ويؤكد أن أداءه القوى فى ولاية كارولينا الجنوبية وفوزه بـ 48% من الأصوات، لم يكن إلا البداية.
ودفع انسحاب المرشحين بيت بوتيدجيدج وأيمى كلوبتشار قبل يومين من سباق الثلاثاء العظيم، توقع عدد كبير من الخبراء تقدم بايدن، إلا أن عددا محدودا منهم توقع حجم الانتصار الكبير الذى تحقق فى سباق الثلاثاء العظيم.
وكانت حملة بايدن بدأت ضعيفة عندما لم يحقق أى نجاحات فى أول ثلاث ولايات فى السابق، آيواه ونيوهامبشير ونيفادا، فى حين بدأت حملة ساندرز قوية فى الولايات الثلاث الأولى.
لكن لماذا تقدم بايدن وتراجع ساندرز؟
يرتبط تراجع ساندرز بتقدم بايدن، ويختلف المرشحان ساندرز وبايدن بصورة كبيرة حول عدد من السياسات الرئيسية الهامة للناخب الأمريكى. ساندرز يصف نفسه بالديمقراطى الاشتراكى، ويعول على مهاجمة المؤسسات التقليدية التى تسمح وتشجع التفاوت الكبير فى الثروة بين الأمريكيين وتخدم مصالح الشركات ورجال الأعمال، فى حين يذكر بايدن أنه مرشح تقليدى وسطى ذو خبرة واسعة تمكنه من إعادة بوصلة أمريكا للوسط بعدما انحرف بها الرئيس ترامب يمينا.
ويعانى ساندرز من فجوة فى التواصل مع الأفارقة الأمريكيين الذى ينظرون بشك لخطبه السياسية ولهجومه الدائم على المؤسسات الديمقراطية. ودفعت خدمة جو بايدن لثمانى سنوات كنائب للرئيس الأسود الأول فى التاريخ الأمريكى باراك أوباما ليحتل مكانة خاصة فى قلوب هذه الفئة التصويتية الهامة للديمقراطيين.
وارتبط بايدن إنسانيا بجيل من كبار السن ممن شهدوا أحداث دراماتيكية مر بها بايدن وتركت فيهم علامة أو ذكرى لا يمكن نسيانها بسهولة. وتعرضت زوجة بايدن الأولى وأولاده الثلاثة لحادثة سيارة توفيت على أثرها الأم وأحد اطفال بايدن فى عام 1972، وبعد 33 عاما من هذه الحادثة توفى ابن بايدن فى منتصف أربعينيات العمر بعد إصابته بمرض السرطان، ومثلت وفاة بيو بايدن حزن الملايين خاصة كونه أحد الناجين من حادثة 1972، إضافة لأنه خدم فى الجيش الأمريكى وحارب فى العراق.
وكشفت استطلاعات الرأى التى جرت عقب غلق أبواب الاقتراع إلى أن كبار السن ممن يتخطون 45 عاما، والناخبون الأفارقة الأمريكيون، والمعتدلون قد صوتوا بنسبة 70% لصالح بايدن.
***
على النقيض أظهر ساندرز تقدما واضحا بين أوساط الشباب ممن هم دون الثلاثين من العمر، إضافة إلى الهيسبانيك اللاتينيين، والليبراليين التقدميين، وحصل على أكثر من نصف أصواتهم. لكن الاستطلاعات أظهرت كذلك انخفاضا كبيرا فى نسب تصويت الشباب وصغار السن مقارنة بتصويت الفئات العمرية الأكبر. وكشفت نتائج الثلاثاء العظيم محدودية التحالف الذى يعتمد عليه السيناتور ساندرز وصعوبة توسعه ليشمل فئات أخرى. وأظهر تكرار ساندرز عدائه للنخبة والمؤسسات الديمقراطية قلقا بين الناخبين التاريخيين للحزب الديمقراطى الذين يصوتون للحزب منذ سنوات طويلة. واستطاع ساندرز جذب ملايين الشباب من المنتمين للحزب الديمقراطى على الرغم من الفجوة الجيلية الواسعة التى تبعده بنصف قرن عن متوسط أعمارهم. واليوم يحافظ ساندرز على هذا الزخم لكن لا يستطيع توسيعه ليضم مناصرين جدد. وقد لا يحتاج ساندرز لمؤسسات أو نخبة الحزب الديمقراطى، لكنه يحتاج وبشدة للناخبين الديمقراطيين. ولم يغير ساندرز من خطابه من أجل إرضاء هذه الفئة الهامة والتقرب منها.
من المرجح أن يفوز بايدن بعدد من الولايات الهامة المؤثرة مثل فلوريدا وجورجيا فى الجولات القادمة، لكن قد لا يضمن ذلك استمرار تقدمه خاصة وأن لبايدن سجلا طويلا من التذبذب فى الانتخابات التى شارك فيها على مدى أربعة عقود من تاريخه السياسى. وما زال هناك سباق طويل على ما يقرب من 70% من الأصوات.
***
على السيناتور ساندرز التفكير من خارج الصندوق إذا أراد خلق قناة للتواصل مع الأفارقة الأمريكيين. وربما يحتاج ساندرز للإقدام على تسمية نائب رئيس أسود سريعا قبل فوات الأوان. وقد يكون من الحكمة أن تكون سيدة جنوبية كى تضمن له بعض الأصوات فى ولايات هامة مثل فلوريدا وجورجيا.
لكن إذا استمر ساندرز فى العناد والاعتماد على ما يراه ائتلافا موسعا لحملته، فقد يتسبب ذلك فى استمرار تراجع فرص نجاحه فى النهاية، من المبكر الجزم بحسم الصراع الديمقراطى على بطاقة الحزب لصالح أى مرشح لمواجهة الرئيس دونالد ترامب فى انتخابات نوفمبر القادم، فلا يزال هناك انتخابات فى 32 ولاية، إضافة لأربعة أقاليم أمريكية والعاصمة واشنطن، ويبلغ إجمالى عدد مندوبيها 2468 مندوبا فى حين يحتاج الفائز للوصول لرقم 1991 مندوبا.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن