بعد عشرين شهرا من الحرب فى غزة، حان الوقت للتوقف، وإعلان النصر، والعمل على إطلاق سراح أسرانا، ومحاولة استكمال المهمة المتبقية عبر المسار السياسى، كما فعلت إسرائيل فى معظم حروبها السابقة.
لقد تم تحقيق معظم الأهداف التى وضعتها إسرائيل لنفسها فى بداية الحرب منذ فترة طويلة؛ فجيش حماس، تلك القوة العسكرية المنظمة، والمسلحة والمدربة، والتى تتكون من ألوية وكتائب ووحدات خاصة كـ«النُخبة»، والتى كان فى حوزتها قرابة 20 ألف صاروخ قادر على تغطية أجزاء كبيرة من إسرائيل، تم تدميرها إلى حد كبير، ولم يتبقَّ منها سوى خلايا «إرهابية» صغيرة تحاول مهاجمة قواتنا التى تعمل فى القطاع.
وانهارت منظومة حماس الإدارية والخدماتية بالكامل، وغزة التى كانت تحت سيطرة التنظيم «الإرهابى» تحوّلت إلى أنقاض، وأصبحت مكانا غير صالح للسكن. وإسرائيل الآن تسيطر فعليا على كل مناطق القطاع، فلا أحد يدخل أو يخرج من دون موافقتها ورقابتها، ولديها حرّية عمل كاملة ضد أى تهديد.
فى وضع كهذا، من الواضح للجميع أن مواصلة القتال فى القطاع لم تعد تخدم أى مصلحة إسرائيلية، ومن غير المعقول أن ننجح فى الأيام أو الأسابيع المقبلة فى ما لم ننجح فيه طوال عشرين شهرا من القتال. وفى هذه الأثناء، لا يزال الأسرى يتعذّبون فى الأنفاق، ويدفع الجيش ثمناً باهظاً من دماء جنوده كل أسبوع تقريبا.
يجب أيضا أن نأخذ فى الاعتبار أن نافذة الفرصة التى أُتيحت لنا للعمل بحرّية شبه مطلقة فى غزة ــــ وهى غير مسبوقة فى تاريخ حروب إسرائيل ـــــ توشك على الإغلاق، وهناك تلميحات لذلك فى تصريحات الرئيس ترامب فى الأيام الأخيرة، والتى قال فيها إنه يتوقع من نتنياهو تخفيف الضغط على غزة والسماح بإدخال المساعدات والغذاء، وأعرب عن أمله فى إنهاء الحرب، ربما استعداداً لزياراته المرتقبة هذا الشهر إلى السعودية، وقطر، والإمارات، والتى اختارها كأول وجهات رحلاته العالمية وفى الشرق الأوسط.
بما أن «النصر المطلق» لم يكن يوما هدفا عمليا يمكن تحقيقه، فعلى إسرائيل أن تسعى نحو صفقة سياسية، شبيهة بتلك التى وافقت عليها فى لبنان، بل أيضا يُفضل أن تكون أفضل منها، ويجب أن تشمل أولا وقبل كل شيء عودة جميع الأسرى المحتجَزين لدى حماس، فلا يجوز الاستهانة بهذه المسألة، فهى ذات أهمية كبرى، ليس فقط فى الحاضر، بل أيضا بالنسبة إلى مستقبلنا كشعب ومجتمع. سيحكم علينا التاريخ بناءً على هذه القضية، وهذا ما سيبقى للأجيال القادمة من هذه الحرب؛ تحرير الأسرى، وليس بالضرورة تدمير نفق «إرهابى» آخر أو تصفية خلية «إرهابية» أُخرى.
ينبغى أن تتناول الصفقة أيضا اليوم التالى فى غزة، وهى مسألة تتجنب الحكومة مناقشتها. لكن فى جميع الأحوال، سيتم فرض التفاصيل علينا من واشنطن، لذا، من الأفضل أن نستعد ونقود المبادرة بدلاً من أن نُجرّ إليها. وإلى جانب إطلاق سراح جميع الأسرى، يجب أن تشمل صفقة إنهاء الحرب ثلاثة مكونات رئيسية:
الأول: حرّية عمل كاملة لإسرائيل فى التعامل مع أى تهديد تحدده داخل القطاع، تماماً كما هو الحال فى لبنان. وهذه الحرّية ستمنع نشوء تهديد مماثل لما شكّلته حماس عشية 7 أكتوبر.
الثاني: إدارة مدنية تدير شئون القطاع تحت إشراف إسرائيلى، وعربى، ودولى.
الثالث: إزالة أى وجود عسكرى لحماس فى القطاع، ولن يكون هذا «ضربة وانتهينا» أو هدفا يمكن تحقيقه فى يوم واحد، وفى كل الأحوال، فنحن لم ننجح فى تحقيق هذه الأهداف بعد 20 شهرا من القتال المكثف، ومن غير المرجح أن نحققها إذا واصلنا القتال لأشهر أُخرى. لذلك، فإن صفقة كهذه هى "العرض الأفضل والوحيد فى المدينة"، والتى ستعيد إلينا الأسرى، وتنقذ أرواح عدد لا يُحصى من الجنود، وتمنح إسرائيل مكاسب هائلة على الساحة الدولية، وكل ذلك من دون تعريض أمننا ومستقبلنا للخطر.
لذلك، يجب إعلان النصر، ليس ذلك المطلق، إنما نصر له مغزى، والمضى قُدُما فى مواجهة التحديات القادمة التى تنتظرنا، وفى مقدمتها القضية الإيرانية، إلى جانب الدفع قُدُماً باتفاقيات أبراهام لتشمل العالم العربى بأسره.
إيال زيسر
يسرائيل هيوم
مؤسسة الدراسات الفلسطينية