مع اقتراب الذكرى الـ77 لقيام إسرائيل، تبدو الحرب فى غزة فى حالة جمود غير مسبوقة. ويبدو كأن الجمهور، فى أغلبيته، لم يعد يصدّق وعود الحكومة بأن الخلاص قريب.
بشأن صفقة الأسرى، حالة من الإحباط العام المرتبطة بتهديدات الحرب، والضغط الهائل على الجيش النظامى وجنود الاحتياط، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية.
على الرغم من أن إسرائيل حققت إنجازات كبيرة ضد حزب الله فى لبنان، وتحسّنت أوضاعها الاستراتيجية فى الجبهة السورية، وفى المواجهة مع إيران، فإن هذه الإنجازات لا يمكنها تغطية الجرح المفتوح الذى خلّفته قضية الأسرى: لا يزال 59 أسيرا، بينهم 21 فى قيد الحياة، محتجزين فى ظروف مروّعة فى قطاع غزة. وبغياب الحلّ، ستظل هذه القضية تحوم فوق المجتمع الإسرائيلى.
وبعكس الانطباع الذى ظهر فى البداية من الحوار بين رئيس الأركان الجديد إيال زامير والوزراء، فإن الجيش لم يسارع إلى اجتياح شامل والقيام بعمليات على طول القطاع، بل نفّذ عملية محدودة وحذِرة لتجنُّب وقوع خسائر فى صفوفه. خلال الأسبوعين الماضيين، قُتل أربعة جنود فى هجمات خاطفة شنّتها «حماس»، وأُصيب أكثر من عشرة آخرين.
لم يؤد الهجوم الإسرائيلى ووقف المساعدات الإنسانية إلى تغير ملموس فى موقف «حماس»، على الرغم من وعود نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس. حاليا، تُبذل جهود فى القاهرة مجددا، لإحياء المفاوضات من خلال مقترحين: إطلاق سراح نحو نصف الأسرى الأحياء؛ أو صفقة شاملة تشمل تبادل جميع الأسرى، فى مقابل إنهاء الحرب، وتنقسم إلى خيارين فرعيين: وقف إطلاق النار مدة ستة أشهر، أو خمس سنوات. لا تزال تفاصيل عديدة من المقترح المصرى غير واضحة، وخصوصا تلك التى تتعلق بدور «حماس» فى حُكم غزة مستقبلا، ومصير سلاحها، وما إذا كانت قيادة الحركة ستغادر القطاع.
إن الجيش يتصرف بحذر، ولا يريد اختبار مدى التزام جنود الاحتياط بأهداف الحرب... «من الصعب خوض الحروب من دون إجماع شعبى واسع»، يعترف ضباط فى هيئة الأركان. فى جميع الأحوال، لن تتحقق أوهام اليمين بشأن احتلال القطاع بالكامل إلّا بصورة جزئية، ما دام ترامب يراقب الوضع بدقة، وينطبق هذا أيضا على وقف المساعدات الإنسانية. فى يوم السبت الماضى، طلب ترامب من نتنياهو إدخال مزيد من الغذاء والدواء إلى غزة. كذلك، يستعد الجيش لتنفيذ عمليات توزيع للمساعدات الإنسانية، لكن بعكس مطالبة اليمين، لن يقوم الجنود بهذه المهمة، وفى الواقع، يثير سلوك زامير غضب اليمين المتطرف الذى يبدأ بالهجوم على رئيس الأركان مباشرةً، عندما لا يكون منشغلا بالهجوم على رئيس الشاباك.
• • •
إن القلق فى محيط نتنياهو، وإلى حدّ كبير فى وسط أجهزة الاستخبارات، هو من أن تتنازل إدارة ترامب وتوقّع صفقة سيئة لا تلجم المشروع النووى الإيرانى بصورة كافية. فى غضون ذلك، تزداد الشكوك فى مدى معرفة الإدارة الأمريكية الجديدة وإلمامها بمثل هذه القضية التقنية العلمية المعقدة. لقد أقيل العديد من المسئولين الأمريكيين فى وزارتى الدفاع والخارجية، وفى مجلس الأمن القومى، أو استقالوا، ولم يُعيَّن بدائل منهم حتى الآن. ويبدو كأن مبعوث ترامب ستيف ويتكوف، المكلف بمعالجة ملفات الأسرى وإيران وأوكرانيا، ليس خبيرا فى المجال النووى، على الرغم من نيته الطيبة وتعاطُفه مع عائلات الأسرى. والمطلوب منه، الآن، توزيع جهوده على أكثر من مهمة.
يشدّد نتنياهو فى خطاباته الأخيرة على احتمالين: هجوم عسكرى إسرائيلى، أو اتفاق يضمن منع إيران من تخصيب اليورانيوم على أراضيها بشكل نهائى فى المستقبل. وهذا يُشبه «النموذج الليبى» الذى فُرض على القذافى فى سنة 2003، عندما كانت إدارة بوش على وشك خوض الحرب ضد العراق. يومها، سارع الحاكم الليبى إلى التخلص من برنامجه النووى، خوفا من أن يكون مصيره مثل مصير صدام حسين. بعد مرور 8 سنوات، قُتل فى سنة 2011.
لقد طالب وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو فى مقال نشره، مؤخرا، بمنع التخصيب كليا. أمّا ويتكوف، فقد أرسل رسائل متضاربة، وفى عدة مناسبات، لم يستبعد تقليص التخصيب، بدلاً من وقفه الكامل. والخلاصة فى هذه النقطة يقدمها، كالعادة، ترامب الذى قال - قبل أيام قليلة - إن المحادثات مع الإيرانيين تتقدم بشكل جيد، ويعتقد أنه «من الممكن التوصل إلى صفقة، من دون إلقاء القنابل».
عاموس هرئيل
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية