كوريا الشمالية.. والحرب الأوكرانية - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 7 مايو 2025 11:00 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

كوريا الشمالية.. والحرب الأوكرانية

نشر فى : الإثنين 5 مايو 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الإثنين 5 مايو 2025 - 7:50 م

اكتست الحرب الروسية-الأوكرانية سمتا كونيا، بعدما انخرطت فيها أطراف دولية شتى. فبينما اصطفت واشنطن ودول الحلف الأطلسى خلف أوكرانيا؛ لم تدخر الصين، إيران وكوريا الشمالية، وسعا فى مد يد العون لروسيا.

 


على مستويات متنوعة، جاءت مشاركة بيونج يانج فى ذلك المعترك. فبموازاة تقديم الدعم الفنى واللوجيستى، تواصلت الإسهامات الميدانية الفاعلة للمقاتلين الكوريين الشماليين. حيث أكدت تقارير استخباراتية غربية، تزويد بيونج يانج موسكو بآلاف الأطنان من الذخيرة، قذائف المدفعية، الصواريخ الباليستية ومنظومات تسليحية تكتيكية وعملياتية أخرى. وقدَر تحليل منفصل أجراه «مركز المصادرالمفتوحة»، بالتعاون مع وكالة "رويترز" للأنباء، أن كوريا الشمالية شحنت أكثر من 15,800 حاوية ذخيرة إلى روسيا، بين أغسطس 2023 ومارس 2025 .واستند التحليل إلى صور بالأقمار الاصطناعية، وأخرى ثلاثية الأبعاد مُفصّلة، لإجراء الحسابات، التى أظهرت أن 64 شحنة على متن 4 سفن روسية، حملت على الأرجح ما بين 4.2 مليون و5.8 مليون ذخيرة فردية من كوريا الشمالية. وفى السياق ذاته، أفاد تقرير مكتب الأمن والتعاون فى أوروبا، بأن خط إمداد الذخيرة الكورى الشمالى، يمثل تحديًا استراتيجيًا هائلًا لكييف وحلفائها الغربيين. ذلك أنه يمكّن روسيا من مواصلة زخمها الهجومى، رغم العقوبات وطول أمد الحرب؛ على النحو الذى يُقوّض فعالية المساعدات العسكرية الغربية الكثيفة والمتواصلة لأوكرانيا.
بعدما دأبت موسكو، طوال حولين كاملين، على تفنيد تقارير حكومتى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، المستندة على صور الأقمار الاصطناعية والمعلومات الاستخباراتية، فيما يخص مشاركة قوات كورية شمالية فى الحرب الأوكرانية، إلى جانب روسيا؛ اعترفت الأخيرة، قبل أيام، بصدق تلك التقارير. ففى 28 أبريل الماضى، شكر الرئيس الروسى، نظيره الكورى الشمالى، على الإنجاز الذى حقّقه جنوده أثناء قتالهم لمصلحة موسكو ضد القوات الأوكرانية فى منطقة كورسك الروسية، التى يؤكد الروس تحريرها بالكامل، من سيطرة القوات الأوكرانية. وذكرت وسائل الإعلام الروسية أن الجنود الكوريين الشماليين خضعوا، فى البداية، لتدريبات عسكرية بميادين روسية، تعرّفوا خلالها على تكتيكات القتال الحديثة، وتعلموا أساليب تشغيل الطائرات المسيّرة، وتكيفوا مع ظروف ميدان القتال. ثم تم نقلهم بعد ذلك إلى منطقة كورسك، حيث عايشوا ظروفًا ميدانية لتجنب جذب الانتباه، ثم بدأوا فى الانتشار والتمركز بخطوط الدفاع الثالثة، ثم الثانية، قبل أن يشاركوا فى المهام المتعلقة بالدفاعات الحصينة والهجمات المباشرة. كذلك، اعترفت بيونج يانج، عبر اللجنة العسكرية المركزية، ووكالة الأنباء الرسمية، بأنها نشرت قوات للقتال إلى جانب روسيا فى الحرب الأوكرانية، بناءً على معاهدة الشراكة الاستراتيجية مع روسيا. وأشادت الدوائر الكورية الشمالية بإسهامات وحداتها الفرعية القتالية فى «النصر الثمين» بمنطقة كورسك الروسية. وبدورها، ندّدت سول، باعتراف بيونج يانج بممارسات تشكل انتهاكًا صارخًا لقرارات مجلس الأمن الدولى رقم 2623، الصادر فى 27 فبراير 2022، بشأن الحرب الأوكرانية. ومن جانبها، قدرت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية، أن من أصل 11 ألف جندى، أرسلتهم بيونج يانج للقتال فى منطقة كورسك الروسية من أجل دحر التوغل البرى للقوات الأوكرانية فى ربوعها. لقى حوالى 4700 منهم حتفهم، فيما تمت إعادة 2000 جندى مصاب إلى كوريا الشمالية جواً أو على متن قطار، بين يناير ومارس الماضيين.
حسب تقديرات نشرها «معهد كوريا الجنوبية لتحليلات الدفاع»، استثمرت بيونج يانج مشاركتها فى حرب أوكرانيا، من أجل اقتناص مغانم اقتصادية تخطت العشرين مليار دولار، حتى الآن. ومنذ إطلاق العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا قبل نهاية فبراير عام 2022، انبرت موسكو وبيونج يانج فى تعزيز تعاونهما العسكرى. وفى العام 2024، أبرم البلدان، اللذان يخضعان لعقوبات غربية مغلظة، اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة. تساعد بيونج يانج بموجبها موسكو عسكريًا فى أوكرانيا، مقابل دعم اقتصادى، تكنولوجى ودبلوماسى روسى، يعين بيونج يانج على تجاوز العزلة الغربية المفروضة عليها. وفى هذا الإطار، تسنى لبيونج يانج الحصول على منظومات تسليحية روسية متطورة. وبحسب المعهد، تفضل كوريا الشمالية «المقابل العينى والتقنى» من روسيا، لتعزيز قدراتها العسكرية وتحقيق أهدافها الاستراتيجية. ومن ثم، حصلت على معدات دفاع جوى، صواريخ مضادة للطائرات وتكنولوجيا الأقمار الصناعية للتجسس العسكرى، كما تلقت وعودًا بمساعدتها فى تطوير برامجها الفضائية، الصاروخية والنووية. ولم تستبعد تقارير استخباراتية كورية جنوبية مساعدة موسكو بيونج يانج فى إنتاج مدمّرة «شو هيون»، التى كشفت عنها الأخيرة نهاية أبريل الماضى، قبل أن تدخل الخدمة العام المقبل. وهى قطعة بحرية متعدّدة المهام، تزن خمسة آلاف طنّ، ويمكن تسليحها بصواريخ نووية تكتيكية قصيرة المدى.
بينما يجرى الإعداد لزيارة الزعيم الكورى الشمالى إلى موسكو، هذا العام، أكدت مصادر روسية أن البلدين سيبدآن، قريبًا، بناء جسر برى فوق نهر تومين، للربط بينهما. وجرى الاتفاق على مد الجسر خلال زيارة الرئيس الروسى، إلى بيونج يانج عام 2024، وتوقيعه اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع نظيره الكورى الشمالى. وسيبلغ طول الجسر، الذى ظل قيد المناقشة لسنوات، 850 مترًا، وسيجرى ربطه بشبكة الطرق السريعة الروسية. وذكرت شركة «تحليل صور الأقمار الصناعية الكورية الجنوبية»، فى مارس الماضى، أن تشييد هذا الجسر بجانب خط السكة الحديد الحالى، الذى يعد الممر الوحيد بين كوريا الشمالية وروسيا، من شأنه زيادة حجم التبادل التجارى، تنشيط الحركة السياحية وتعزيز التعاون العسكرى، بما يقوض فعالية العقوبات الغربية التى تخنق البلدين.
تعتبر بيونج يانج مشاركة قواتها فى حرب أوكرانيا فرصة ذهبية لتحديث جيشها، الذى لم يشارك فى حرب فعلية منذ خمسينيات القرن الماضى. حيث يمكن الاستفادة من الخبرات القتالية الميدانية المكتسبة فى حرب ضروس على مسرح عمليات مختلف، فى تحديث العقائد العسكرية الوطنية. وتتطلع كوريا الشمالية لاكتساب الخبرات والتقنيات المتعلقة بالمسيرات الحربية، سواء الهجومية منها أو الاستطلاعية، أو تلك التى يمكن استخدامها ضد المنشآت الحيوية والبنى التحتية، بمنأى عن خطوط المواجهة الأمامية. إضافة إلى التعرف على سبل مواجهة التكنولوجيا العسكرية الحديثة، عبر استخدام أساليب عسكرية ومهارات ميدانية تقليدية. فلقد تدرب جنود كوريون شماليون على أسلحة روسية حديثة، على شاكلة البندقية النصف آلية عيار 12، من طراز «فيبر-12»، التى تم إدخال تعديلات تقنية عليها لتمكينها من إسقاط المسيرات. وعلى وقع مشاركتها فى الحرب الأوكرانية، تعلمت القوات الكورية الشمالية دروسًا عملياتية واستراتيجية، يمكن الاستفادة منها فى أية مواجهة محتملة مع الشطر الجنوبى. فلقد اكتسبت خبرات بشأن مهاجمة المواقع المحصنة، بناء الجسور النهرية للدبابات، تمويه وإخفاء القوات والمعدات. كذلك، ساعدها استخدام دخائرها ومقذوفاتها فى المعارك، على اكتشاف بعض مثالبها، بما يستوجب مراجعة عمليات تصنيعها، للارتقاء بمستواها. فى غضون ذلك، سلطت صحيفة الجارديان البريطانية، الضوء على القلق الأمريكى المتعاظم حيال مؤازرة أكثر من عشرة آلاف مقاتل كورى شمالى الجيش الروسى فى تلك الحرب. لافتة إلى مخاوف كوريا الجنوبية والدول الغربية من إقدام روسيا على مكافأة بيونج يانج، عبر إغداق المزيد من الدعم الاقتصادى عليها، وتزويدها بالتكنولوجيا العسكرية المتقدمة. ما من شأنه تسريع خطواتها لتطوير برامجها النووية والصاروخية، فضلًا عن إنتاج وتحديث المسيرات الهجومية، وتصنيع الأقمارالاصطناعية للأغراض الحربية والتجسسية.
لا تمل دوائر استراتيجية غربية، الإلحاح فى مطلب إنهاء الحرب الأوكرانية، واتخاذ التدابير الكفيلة بكبح جماح التعاون العسكرى المتنامى والمتسارع بين روسيا وكوريا الشمالية؛ مع وضع استراتيجية طويلة الأمد لاحتواء تداعياته، بعدما تضع الحرب أوزارها. حيث تتخوف الدول الغربية من أن تؤسس مساعدة كل من الصين، كوريا الشمالية وإيران لروسيا فى المعترك الأوكرانى، لتشكل محور جيوسياسى، أو التئام تحالف استراتيجى صلب بين أربعتهم. يمهد بدوره لانتقال مركز قيادة العالم من مغربه إلى مشرقه.

التعليقات