تمر هذا العام الذكرى المئوية لرحيل سيد درويش وذكرى مرور 50 عاما على رحيل طه حسين، وإلى الان لم نقرأ شيئا عن خطة قومية للاحتفال بهذين الرمزين الكبيرين من رموز ثقافتنا المعاصرة ولا يمكن الاكتفاء بندوة هنا أو ندوة هناك تبحث فى الدور الكبير الذى لعبه الاول أو فى الأثر الذى تركه الثانى وباستثناء العدد المتميز الذى أصدرته مجلة الهلال عن سيد درويش لم نقرأ عن ترتيبات تعدها وزارة الثقافة بمؤسساتها المختلفة للاحتفال بالرمزين الكبيرين وقد بلغنى أن ندوة ستعقد حول سيد درويش الأسبوع المقبل وهذا جهد مشكور من المجلس الاعلى للثقافة لكن لا أظن أن ندوة واحدة تكفى للإحاطة بمشروعه أو بإعادة تقديمه للأجيال الجديدة. والواجب أن تكرس دار الاوبرا برامجها خلال الفترة المقبلة لإحياء ذكراه، ليس فى القاهرة أو الاسكندرية فقط وإنما عليها أن تفكر فى وسيلة تضمن أن يمتد أثر هذا الاحتفال ليشمل محافظات مصر كلها بحيث تتمكن الأجيال الجديدة من الإحاطة بمشروعه فى تمصير الموسيقى أو تجديد منابعها وما يشجع على ذلك أن الكثير من الفرق الجديدة تعيد تقديم أغنياته وألحانه بتوزيعات جديدة تقربها من الأجيال الجديدة. وفى ظنى أن هناك مسئولية قومية فى هذا الشأن تتعلق أولا بالتطبيق العملى لمفهوم العدالة الثقافية، وأهم من ذلك إحياء محاولات تطوير حى كوم الدكة الذى شهد ميلاده ولا أعرف لماذا توقفت الجهود الشعبية التى كانت تجرى هناك سنويا للاحتفال بذكراه، كما لا أعرف عما إذا كانت هناك خطة لإعادة طبع أبرز المؤلفات التى تناولت سيرته وإتاحتها بأسعار مقبولة. وليس أصلح من هيئة قصور الثقافة لأداء هذه المهمة والثقة كبيرة فى كفاءة الصديق جرجس شكرى الذى يتولى أمانة النشر فى الهيئة والذى تبنى مشروعا متميزا لنشر سلسلة من أمهات الكتب التى تبحث فى تأصيل الهوية المصرية، والمؤكد أن ما قدمه سيد درويش يقع فى قلب هذا المشروع الطموح. وما يدفعنى للالحاح على هذا المقترح أن الهيئة بادرت بإعادة طرح مؤلفات طه حسين فى طبعات شعبية ممتازة، كما نشرت كتابا متميزا للناقد الكبير صبرى حافظ أحاط بمشروع عميد الأدب العربى وساعد فى تيسيره للأجيال الجديدة. أقول قولى هذا وأنا أعلم تمام العلم بأن الكثير من دور النشر الخاصة تتهيأ لإعادة نشر مؤلفات العميد بعد أن تسقط حقوق نشرها لدى بعض دور النشر التى كانت تمتلك هذه الحقوق، ومن ثم فإن واجب هيئاتنا الثقافية كلها إعادة إحياء المشروع الرائد لطه حسين ولعلها فى هذا المسعى تستكمل المبادرات التى قام بها مفكرون أفراد انتبهوا مبكرا لقيمة هذه الذكرى ومعناها.
وعلى مدى عامين تابعت مؤلفات متميزة صدرت حول إنتاج العميد، لكن أغلبها صدر عن مؤسسات عربية كبرى على رأسها مركز اللغة العربية فى أبوظبى أو عن دور نشر خاصة وعلى رأسها كتاب الصديق عمار على حسن وكتاب الصديق إيهاب الملاح الذى فاز بجائزة معرض القاهرة للكتاب فى الدورة قبل الماضية وهناك كتابان آخران للناقد ممدوح فراج النابى، الأول هو استرداد طه حسين والثانى كتابه الفائز بجائزة ابن بطوطة وعنوانه البلاغة العمياء عند طه حسين، والمؤكد أن كل تلك المؤلفات وغيرها جديرة بأن تتوافر للقارئ المصرى بأسعار ملائمة وفى طبعات شعبية على سبيل الاحتفال بالدور الرائد للعميد أو على سبيل الاعتذار لما فعلناه معه ونحن نعمل يوميا على طمس أفكاره وإزالته بمعاول الهدم التى سبقت كثيرا المعاول التى سعت لإزالة مقبرته التى كادت أن تذهب ضحية (غشم) ليس له حدود، فما أحوجنا اليوم لطه حسين.