سوق الفن التشكيلي - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 3:02 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوق الفن التشكيلي

نشر فى : الثلاثاء 5 ديسمبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 5 ديسمبر 2023 - 7:55 م

لاحظت كما لاحظ غيرى من المهتمين بالفن التشكيلى خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة حالة من الازدهار فى إنتاج هذا الفن وطرق عرضه وتلقيه. وقد شهد الشهر الماضى وحده فاعليات تشكيلية كبرى مثل (آرت إيجبت) أو (القلعة شىء آخر) و(إذا كان للجدران أن تتحدث) ، وذلك بخلاف العروض البصرية التى شهدها مهرجان (دى كاف) ومعرض (فوتو كايرو) ومهما كانت درجة التباين والاختلاف بين كل تلك الفاعليات فى المستوى الفنى ونوعية العروض، فإنها تشير بوضوح إلى حماس الرعاة والشركات الكبرى لرعاية هذا النوع من الفاعليات التى نجحت أخيرا فى الخروج من القاعات إلى الفضاء العام وبذل القائمون عليها جهودا لخروجها إلى أماكن ذات رمزية تاريخية وسياحية وتسويقية مثل الأهرامات والقلعة.
وباستثناء المعارض المهمة التى أقامها قطاع الفنون التشكيلية أخيرا اعتمادا على التمويل الحكومى مثل معرض البدايات أو المعرض الاستعادى للفنان سعيد العدوى ومعرض الخبيئة للفنان جميل شفيق، فقد حظيت جميع الفاعليات الأخرى ببعض الدعم من مؤسسات أجنبية وكذلك برعاية بعض الشركات الخاصة وهذه مسألة إيجابية مهمة تشير إلى أن هذه الانشطة أصبحت تتمتع بدرجة جذب إعلامى محفزة لهؤلاء الرعاة. وتجلت خلال تلك السنوات بوضوح قوة المنافسة بين قاعات العرض الخاصة، بما يشير إلى وجود سوق تجارية نشطة فى هذا القطاع رغم حالة الركود الاقتصادى العام، ويرى خبراء أن هذا الازدهار ارتبط بنمو كبير فى سوق العقارات على نحو أوجد منازل ذات مساحات كبيرة لم تكن متاحة من قبل إلا فى صفوف الطبقة العليا والتى كانت الاقرب تاريخيا لتذوق هذا الفن. والواضح أن اتساع سوق العقارات، وتعدد نماذج المنتجعات السكنية وشيوع (ثقافة الكومباوند) ساهم فى تنشيط حركة بيع الأعمال الفنية استجابة لطلب مهندسى الديكور أو ساكنى البيوت الذين اعتبروا وجود لوحات أحد مؤشرات التمايز الاجتماعى. ومن جهة أخرى فإن العديد من قاعات العرض الخاصة تعمل اليوم كوكيل لقاعات عرض عالمية لها ثقل فى الخليج الذى يشهد مجموعة من الفاعليات المهمة التى يمكن أن نميز فيها بين مناسبات فنية مهمة مثل بينالى الشارقة ومناسبات أخرى تعبر عن أسواق الاقتناء كما فى (آرت دبى أو آرت أبو ظبى) وهى حالة مرتبطة بعولمة السوق الثقافية والتى أشار اليها بوضوح كتاب مهم ترجمه الراحل طلعت الشايب تحت عنوان (الفنون والآداب تحت ضغط العولمة) قبل نحو 20 عاما. ومن الطبيعى أن تؤدى هذه المنافسة إلى ارتفاع أسعار أعمال بعض الفنانين إلى أرقام كبيرة، كما تساهم أيضا فى توجيه سياسات العرض والاقتناء، وتدفع بعض القاعات لاحتكار جهود بعض الفنانين وهذه هى طبيعة أى سوق.
وفى المقابل فإن هذا المناخ عزز أمرا إيجابيا للغاية تمثل فى حرص كبار المقتنين على توثيق ما لديهم من أعمال بطريقة علمية وفى سنوات قليلة أصبحت لدينا كتب للمقتنيات الفنية التى لدى الدكتور محمد أبو الغار والكاتب محمد سلماوى، كما تنامت حركة توثيق أعمال فنانينا الرواد بفضل جهود الدكتور حسام رشوان والفريق البحثى الذى يعمل معه ويضم أسماء مهمة ذات مصداقية كبيرة مثل الدكتورة أمل نصر والدكتورة ريم حسن والناقد سمير غريب والراحل الدكتور شاكر عبدالحميد والدكتور أشرف رضا والدكتورة إيناس الهندى وآخرين. وبفضل جهود هؤلاء وغيرهم من الباحثين الثقاة أصبح لدينا كتالوج مسبب لأعمال محمود سعيد وعبدالهادى الجزار وهى خطوة مهمة زاد من أهميتها وجود فريق قانونى يقوده ياسر أمين لحماية الحقوق الملكية الفكرية لهذه الأعمال.
غير أن الأمر اللافت فى ظل تلك الايجابيات ان هذا الاتساع لا يترجم فى السياسات الثقافية الا بقدر ضئيل جدا، وهذه الملاحظة لا تقلل من جهد يبذله قطاع الفنون التشكيلية برئاسة الصديق وليد قانوش، لكن ثمة تساؤلات تحتاج إلى إجابة منها: هل يعبر هذا الازدهار عن تعدد فرص العرض والاتاحة؟ وهل يمكن ان ينعكس هذا الازدهار فى سوق الفن ليؤدى دورا فى تحسين الهوية البصرية للمدينة؟ وخلق حضور جديد للفنان التشكيلى فى المجال العام كما كانت الحال فى الماضى مع جيل محمود مختار ومحمود سعيد. وأقولها بصدق فإن ما أثار هذه التساؤلات داخل عقلى مرتبط بنتائج مسابقة آدم حنين لطلاب المدارس، فقد كشفت المسابقة كما أشار إلى ذلك الناقد صلاح بيصار عن ارتفاع لافت فى مستوى أعمال الطلاب وأعطت أملا فى إعادة الاعتبار لتعليم الفن داخل المدارس الحكومية التى ينتمى اليها غالبية الفائزين وهى مسألة تقول بوضوح إن مصر ولادة لكن الأولاد يحتاجون إلى رعاية من نوع آخر وإيمان يعزز مسار هذه المواهب وهو أمر لا يمكن أن يحدث دون سياسات ثقافية جديدة.