ما يتجاوز السلام على الطريقة الترامبية - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 16 أكتوبر 2025 11:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

ما يتجاوز السلام على الطريقة الترامبية

نشر فى : الخميس 16 أكتوبر 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الخميس 16 أكتوبر 2025 - 7:50 م

لم يفت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فرصة إلا وأبدى فيها رغبته فى تحقيق السلام، حتى إنه أعلن فى الخامس والعشرين من شهر أغسطس الماضى عن رغبته بدخول الجنة فى حال تحقق السلام على يديه فى أوكرانيا، فيما لم تنفِ المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أمام الصحفيين لاحقًا أنه كان جادًا عندما أدلى بهذا التصريح. هذا من دون أن ننسى خطة ترامب للسلام أو «صفقة القرن» الرامية إلى حل النزاع الإسرائيلى الفلسطينى، والتى عملت إدارة ترامب على إعدادها منذ عام 2017، وكان إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، والإعلان عن دولة فلسطينية من دون جيش فى الضفة الغربية وقطاع غزة من أبرز ما جاء فيها.
وإذ بينت ردات الفغل الأمريكية الإسرائيلية «الإبادية» على «طوفان الأقصى» فى فلسطين، بالملموس، أبعاد هذا السلام المزعوم وزيفه، فإنها - أى ردات الفعل هذه - بينت كذلك، وهذا هو الأهم، أن هذا السلام لا يعدو كونه محطة أساسية من محطات الهيمنة على المنطقة بأسرها. فسلام ترامب ليس أكثر صدقية من سلام رؤساء الولايات المتحدة السابقين، وسياستها الخارجية عمومًا التى لطالما كانت موجهة من اللوبى الإسرائيلى أو الصهيونى. ففى شهادة شاهد من أهله يذكر المفكر والفيلسوف الأمريكى نعوم تشومسكى كيف تم اغتيال السيناتور الأمريكى وليم فولبرايت (1905 - 1995) معنويًا، بسبب مواجهته اللوبى الصهيونى، ومطالبته إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضى العربية التى احتلتها فى عام 1967، وانتقاده سياسة الاستيطان الإسرائيلية التى تهدف إلى إقامة إسرائيل الكبرى.. إلخ. هذا من دون أن ننسى، فى سياق الدعم السياسى الأمريكى المستمر والأبدى لإسرائيل، استخدام أمريكا الدائم لحق النقض فى الأمم المتحدة لحمايتها، أو دعمها لنظام الأبرتهايد فى إسرائيل الذى لا يختلف بحسب تشومسكى عن نظام جنوب إفريقيا العنصرى.
لعل سلام ترامب يندرج فيما سماه برتران بادى فى كتابه (L’Art de la paix,2024) «جدلية القوة» التى صنعت تاريخ الدولة الغربية ورسخت ثلاث وظائف للنظام الدولى، بغض النظر عن أى اعتبارات أخلاقية: تعزيز هيمنة الأقوى، والحفاظ على توازن غير عنيف بين الدول المتنافسة، وإنهاء الأعمال العدائية فى الوقت المناسب، عبر تسوية تفاوضية، بحيث تجسد سلام الولايات المتحدة لاحقًا فى تقاسمها الهيمنة مع الاتحاد السوفييتى، وفى ميزانيات عسكرية غير مسبوقة، وفى سلسلة طويلة من التدخلات العسكرية الخارجية، فى كوريا، وجواتيمالا (1954 وبين 1967 و1969)، وفى إندونيسيا (1958، من خلال الدعم الجوى لتمرد بيرميستا)، وفى الكونغو (جمهورية الكونغو الديمقراطية، 1964)، وفى فيتنام، ولاوس، وكمبوديا، وجرينادا، وليبيا، ونيكاراجوا، وباناما، والعراق، وأفغانستان، والسودان، ويوغوسلافيا ثم فى هيمنة أحادية بعد انهيار الاتحاد السوفييتى أواخر القرن العشرين، فضلًا عن الجهود التى بذلتها العلوم الاجتماعية الأمريكية لبلورة نظرية «الاستقرار الهيمنى» التى تصور القوى الكبرى كحامية للمصالح الدولية المشتركة، وكضامنة للاستقرار، بحيث إن التقاء السلام والقوة، جعل من عظمة أمريكا (أمريكا أولًا) الشرط الأساس لسلام العالم.
فى الخط الموازى، وبناء على معادلة السلام والقوة هذه، يندرج سلام ترامب الآن فى سياقاته الموضوعية المتمثلة بالتوحش النيوليبرالى، بسمته «الرأسمالية السحابية» (بدلًا من الرأسمالية الإنتاجية)، الموسومة فى عالمنا الرقمى الراهن، بحسب الاقتصادى اليونانى - الأسترالى يانيس فاروفاكيس، بانتقال استخراج القيمة فيها من الأسواق نحو المنصات الرقمية، مثل فيسبوك وأمازون، وبـ«إقطاع تكنولوجى» يغدو هو التهديد الأكبر للديمقراطية الاجتماعية، فضلًا عن حاجة الولايات المتحدة إلى منطقة الشرق الأوسط أكثر من أى وقت مضى «للمضى فى استخدام الموارد النفطية والغازية كأداة أساسية لإدارة التنافس الاقتصادى المحتدم كونيا بين الكتل العالمية، التقليدية والناشئة، فى وقت ترجح كبريات مراكز الأبحاث الدولية أن تبقى الموارد النفطية للمنطقة تشكل، لعقود عدة مقبلة، مصدرًا أساسيًا للطاقة فى العالم، على الرغم من المقاربات البيئية العالمية المستجدة ومن التنوع المستمر فى مصادر الطاقة البديلة، بما فى ذلك الاتجاه المتزايد للاعتماد على الطاقة المتجددة» (حوار غير منشور مع الخبير الاقتصادى د. كمال حمدان).
• • •
أضف إلى ذلك أن السيطرة الأمريكية على مكامن النفط، ضمنت للولايات المتحدة فى المدى المتوسط والطويل بحسب حمدان، «التحكم بإدارة المخاطر المرتبطة بالتطور المستقبلى لسوق الطاقة العالمية ومصادره المختلفة -بما فيه النفط وبدائله - وبتطور تكاليف هذه المصادر، ومن ضمنها النفط الصخرى الأمريكى نفسه». ثم إن الهدف الأساسى بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية فى هذا المضمار لا ينحصر فى تغطية احتياجاتها من النفط والغاز العربى فقط، بل فى استمرار التحكم بعملية تسويقه وبيعه عبر شركاتها العملاقة إلى شركائها التاريخيين الأساسيين، كما إلى منافسيها (لاسيما الصين)، كون هذا التحكم يمنحها قوة أكبر فى إدارة آليات التنافس المحتدم مع هؤلاء الشركاء والمنافسين، ويسهم بالتالى فى إعادة إنتاج التفوق الأمريكى على المستوى الاقتصادى العالمى.
فى هذا السياق تغدو إبادة غزة، وتدمير سوريا، وقبلهما العراق وليبيا، وإعلان نتنياهو الصريح والوقح عن مسئوليته فى تغيير خريطة الشرق الأوسط، وضمنا الحدود الجيوسياسية.. يغدو تسلسل الأحداث والوقائع هذه حلقة من حلقات تكريس نظام القطب الواحد وضمان تحكم الولايات المتحدة بالنفط والاستثمارات وغيرها من مصادر الثروة، وتعبيرًا عن صراع محموم للحئول دون قيام نظام تعدد الأقطاب.
المسألة إذا تتجاوز دونالد ترامب، لكونها تندرج فى سياق تاريخى محكوم بالتحالف الإمبريالى - الإسرائيلى، وبأطماع وخرائط متغيرة بتغير موازين القوى الدولية، وإن كان ترامب قد أسهم، سواء فى ولايته السابقة أم الحالية، فى ترجيح البعد العسكرى، كما فى إحداث الفوضى.
• • •
فى الخامس من أغسطس الماضى، وتحت عنوان «ما لا يقوله ترامب للأمريكيين»، انتقد الصحفى Callum Jones فى صحيفة «ذى جارديان» البريطانية تفاخر دونالد ترامب بمزايا سياسته التجارية، ومحاولاته للتستر على السلبيات التى تجرها هذه السياسة على الأمريكيين، بدءًا من ارتفاع الأسعار والتباطؤ الاقتصادى. ومن أقواله فى هذا الصدد عن ترامب: «نادرًا ما تتبع الأفعال الأقوال» لديه/ «ثمة فجوة بين أقواله وأفعاله»، «يجهد فى التستر على السلبيات أو فى إخفائها»/ «عدم التزامه بوعوده». ويروى عنه أنه بعيد إعلان الأرقام الشهرية حول التوظيف فى الولايات المتحدة فى 4 أغسطس الماضى، والتى أظهرت تباطؤًا فى سوق العمل، بادر ترامب إلى عزل المسئولة عن الإحصاءات مدعيًا، ومن دون أى دليل، أن الأرقام مزورة؛ لينتهى المقال بعبارة أن «الوعود لا تدفع الفواتير».
وفى حوار مع الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسى مارسيل جوشيه بعنوان: «لن تربح النيوليبرالية» (مجلة Sciences Humaines - العدد 380 - يوليو/أغسطس 2025 أجراه Samuel Lacroix)، وجه الأخير سؤالًا لجوشيه حول ما إذا كان القادة السلطويون الجدد، مثل دونالد ترامب يشكلون تهديدا للديمقراطية كذلك الذى كان يشكله ديكتاتوريو الأمس؟ فأجاب مارسيل جوشيه بالنفى. أما حجته فى ذلك فكانت أن القادة الجدد ليس لديهم الوسائل لتجسيد السلطة التى يدعونها لكونهم مسكونين بالتناقض الذى يحاولون إيجاد إجابة له: فهم متقلبو المزاج، وخطيرون، لكن القائد الاستبدادى أو الشمولى، كالذى عهدناه، لا يقدم نفسه بهذه الطريقة، إذ يجب أن يجسد المرشد الذى يرغب المرء فى الاعتماد عليه بشكل كامل. فى حين أن ترامب والآخرين هم أشخاص «ما بعد حداثيين» يلعبون بالسلطة. وفى هذا الصدد، يتابع جوشيه: «أنا لا أخشى الانحراف الديكتاتورى، بل أخشى تسارع الفوضى».
أما عن تفاؤله وتشاؤمه حول الأزمة الراهنة (المتعددة الأوجه: أزمة الديمقراطية.. أزمة النيوليبرالية.. أزمة العالم)، فيجيب جوشيه فى الحوار نفسه بأنه لا يرى أى علامة تشير فى الوقت الراهن إلى مخرج من الأزمة العميقة التى تورط العالم الديمقراطى فيها، لكن تحليله للأزمة يدفعه إلى التفكير بأنها لا تحتوى على أى أمر لا يمكن علاجه. وأن هناك قابلية للتغلب عليها بحكم طبيعتها؛ فلماذا لا يتم التغلب عليها عاجلًا أم آجلًا، كما حصل مع الأزمات السابقة؟
الأرجح هو الاعتقاد بأن ذلك سيحدث، من دون أن نكون قادرين على تحديد متى؟.. وكيف؟!

رفيف رضا صيداوى
مؤسسة الفكر العربى

النص الأصلى:
https://tinyurl.com/28de3sem

التعليقات