افتح أبوابك يا مجلس الشيوخ - محمد بصل - بوابة الشروق
الخميس 16 أكتوبر 2025 11:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

افتح أبوابك يا مجلس الشيوخ

نشر فى : الخميس 16 أكتوبر 2025 - 7:45 م | آخر تحديث : الخميس 16 أكتوبر 2025 - 7:45 م

ينطلق غدا الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ بعد انقضاء فصله الأول الذى امتد بين عامى 2020 و2025 عقب استحداثه فى التعديلات الدستورية الأخيرة عام 2019. والسبب فى استخدام كلمة «استحداث» وليس «عودة» هو أن «الشيوخ» لا يتمتع بأهم مقومات مجلس الشورى السابق الذى كان قائما فى ظل دستورى 1971 و2012 بصلاحيات تشريعية واضحة ومشاركة لازمة فى إقرار بعض القوانين والمعاهدات، فضلًا عن الإشراف فى مراحل سابقة على عدد من المجالس التخصصية والتنظيمية للأحزاب والصحافة.

ولم يعد مجلس الشيوخ جزءًا من السلطة التشريعية المحصورة فى مجلس النواب، وهو وضع غريب قياسًا بالنماذج الدولية. إذ لا تتمتع الغرفة الثانية للبرلمان بأى صلاحيات تشريعية إلزامية، ويقتصر دوره على إبداء الرأى فى معاهدات الصلح والتحالف والسيادة، وما يُحيله إليه رئيس الجمهورية أو «النواب» من مشروعات القوانين العادية أو المكملة للدستور، وما قد يحيله الرئيس إليه من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو سياساتها الإقليمية والخارجية.

وبالتالى لا تلزم موافقة "الشيوخ" على أيّ من المخرجات التشريعية السابقة، ولا إلزام بعرضها عليه من الأساس إلّا فى حالة المعاهدات. كما أن اللائحة الداخلية له الصادرة بالقانون 2 لسنة 2021 قصرت دوره الرقابى فى ممارسة تبدو صورية إلى حد كبير، تتمثل فى أنه يجوز لعشرين عضوًا فأكثر طلب مناقشة موضوع عام لاستيضاح سياسة الحكومة بشأنه، وأن لكل عضو إبداء اقتراح برغبة فى موضوع يدخل ضمن اختصاص المجلس إلى رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم.

لقد انعكست محدودية الصلاحيات على أداء وإنتاج المجلس فى فصله التشريعى الأول. فنلاحظ فى تقرير أصدره فى يوليو الماضى عن حصاد عمله، اهتمامًا بالكم أكبر من الكيف، وبعدد ساعات العمل والجلسات والمداخلات والمشروعات المقدمة وطلبات المناقشة والاقتراحات واجتماعات اللجان النوعية وحتى زيارات الشخصيات السياسية فى الداخل والخارج.

وبين أطنان من الأرقام المصمتة والتوصيات العادية جدًا، يظهر انخفاض الإسهام التشريعى والرقابى ذى الأثر الفعّال، وتراجع عدد مشروعات القوانين التى درسها مجلس الشيوخ وصدرت بالفعل، إلى مستويات تدفع إلى التساؤل عن فوائد الإبقاء عليه بوضعه الحالى وبما يصحبه من تكاليف مالية فى العملية الانتخابية ثم فى تسيير أعماله.

وعدا التصدى لمشروع النظام التراكمى للثانوية العامة، وما أصدرته اللجنة الاقتصادية برئاسة د. هانى سرى الدين من مقترحات، ومناقشة المسودات الأولى لقوانين العمل والتأمين والمالية الموحد، نكاد لا نلحظ دورًا يوازى ما كنا نرجوه عند إنشاء المجلس، بأن يتحول إلى ساحة أكثر تحررًا ونشاطًا من مجلس النواب لاستضافة حوار وطنى متجدد حول السياسات العامة والنوعية، عملًا باختصاصه الدستورى «بدراسة واقتراح ما يراه كفيلًا بتوطيد دعائم الديمقراطية».

قد يجادل البعض بأن هدف الدولة من إنشاء مجلس الشيوخ واستمراره هو استيعاب قدر من النشاط السياسى خاصة للأحزاب التى لا تمثّل بنسب مُرضية فى «النواب». وحتى إذا كان هذا صحيحًا فمن ضرورات المصلحة العامة أن يتخذ «الشيوخ» مسارًا مختلفًا وحيويًا يكون فيها قناة تواصل حقيقية بين المواطن والسلطتين التشريعية والتنفيذية، وحاضنة أولى للأفكار الطازجة والمختلفة وبما يمكّن من البناء عليها.

أتصور أن تكون الخطوة الأولى وضع خطة للحوار المجتمعى بشأن المقترحات القانونية الجديدة بالتزامن مع إعداد المشروعات على سبيل الاستيعاب المبكر لموجات الجدل العام والتعرف على شواغل الشارع وأصحاب المصلحة. وبالتوازى يسير حوار مجتمعى/ تخصصى آخر حول دراسة الأثر التشريعى لبعض القوانين حديثة الصدور وثيقة الصلة بحياة المصريين والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، مثل الإيجار القديم والعمل والتصالح فى مخالفات البناء والقوانين الضريبية والمتعلقة بالشراكة مع القطاع الخاص وحوافز الاستثمار.

والتنسيق ضرورى مع الحكومة ومجلس النواب لضمان استغلال مخرجات الحوار المأمول، وكذلك تطوير المقترحات التشريعية القليلة التى صدرت عن لجان «الشيوخ» فى السابق خاصة فى المجال الاقتصادى (تعديل قانون التحكيم على سبيل المثال) كبرهان على جدية الدولة فى دعم الغرفة الثانية وتعظيم الاستفادة منها.

والمجال مفتوح لحوار ثالث مستدام، هو الأهم والأكثر إلحاحًا، حول قضايا حقوق الإنسان ومشاكل التعليم والصحة والديمقراطية، يفتح الباب أمام مشاركة الجيل «زد» الذى تتسع الفجوة بينه وبين التيار العام للسياسة والإعلام. ولا شىء يمنع ذلك فى الدستور أو الجاهزية إذا توافرت الإرادة والمبادرة.

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات