(١)
كثير من الناس يعانى من الـ«Availability Heuristic» وهو خطأ إدراكى شهير يستدعى فيه الإنسان من ذاكرته أقرب الحوادث أو أسهلها عليه فى الاستدعاء أو تلك التى يستطيع تخيلها بسهولة.. فمثلا يذكر الإرهاب أمامه فيستدعى من ذاكرته آخر حادثتين أو ثلاث أسهب الإعلام فى الحديث عنها وقد نفذها متطرفون منتسبون إلى الإسلام.. لكن لا يتذكر هؤلاء حوادث إرهابية غيرها وأشد فظاعة منها حدثت قبل ذلك بأعوام أو حتى بأشهر ونفذها متطرفون من كل الأطياف والألوان والأديان.
المهم أنه سواء تذكر البشر أو نسوا أو حتى تناسوا فإن الحقيقة التى تصعب على الطمس كون أن كل هؤلاء المختلين الذين قتلوا مئات الآلاف وربما يزيد الرقم إلى عشرات الملايين لو أضفنا ضحايا حربين عالميتين لم يجرؤ أحد على اتهام مذاهبهم الفكرية أو عقائدهم الدينية بالتسبب فى إنبات كل هذه الكراهية.
لذلك أراد شيخ الأزهر بكلمته أمام مؤتمر (الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل) تذكير الدنيا بما ذاقته البشرية من ويلات على يد متطرفين يهود ومسيحيين وبوذيين وهندوس.. وعلى يد يساريين وشيوعيين وقوميين وليبراليين...والعهد ليس بعيدا..لو عادت الذاكرة الإنسانية إلى الوراء عقدين فحسب لاستعادت مشاهد المذابح الجماعية فى سراييفو وكوسوفو وقانا وغزة...هى حقيقة لا تحتاج إلى البحث طويلا..وربما تنشط هذه الذاكرة مشاهد حية لمذابح ترتكب يوميا فى بورما على مرأى ومسمع الملايين لا يحرك أحدهم ساكنا لأن الضحايا مسلمون ولأن الإرهاب بوذى.
******************** ******************** ******************
(٢)
هل قاد الأزهر يوما حروبا طائفية يذبح فيها النساء والأطفال والعجائز وتنتهك أعظم الحرمات وتنتهب فيها أقوات الشعوب باسم الدين كما فعلت (الفاتيكان) إبان الحملات الصليبية؟ هل بارك الأزهر جنودا يذهبون لاحتلال أراضٍ لا علاقة لها بأوطانهم ويحرقون بصواريخهم الأبرياء تثبيتا لأركان حكم جائر مستبد كما تفعل الكنيسة الروسية؟
هل حرم الأزهر (العلوم الدنيوية) وعدها من قبيل السحر والشعوذة وحرق أو حكم بالحرق على متعلميها كما فعلت كنائس أوروبا فى القرون الوسطى؟ هل تورط علماء ووعاظ الأزهر قديما أو حديثا فى حوادث اعتداء جنسى بالمئات على الأطفال كالجرائم التى اعترف بها الفاتيكان منذ سنوات ولا تزال تتوالى اعترافاته واعتذاراته؟
كم ألف مسجد حرق فى أنحاء الدنيا خلال الخمسين عاما الماضية من الهند فى أقصى الشرق إلى أمريكا فى الغرب ومن إفريقيا الوسطى وحتى قلب أوروبا؟...حتى كندا الأقل تطرفا لم يسلم مسلموها من مذبحة مروعة قتل فيها المسلمون أثناء صلاتهم قبل عدة أسابيع.
******************** ******************** *****************
(٣)
هل يدرى المتكلم عن تجديد الخطاب الدينى تكلفة مكتبة متواضعة الحجم تحوى فقط الأساسى من المراجع والكتب التى يحتاجها الواعظ فضلا عن طالب العلم أو العالم ليقدم لرواد مسجده درسا دينيا سليم اللغة ومحقق الأحاديث النبوية ومنقحا من أى آراء فقهية شاذة؟
الأزهر يحتاج إلى أموال طائلة ـــ أو إلى استقلال مالى لو شئت الدقة ــ لينفق على تأهيل طلبة العلم والدعاة تأهيلا عصريا متكاملا من الناحية العلمية والثقافية وحتى التربوية...وفى الحقيقة لو تم ذلك فلن يكون منا من الدولة ولا فضلا تنتظر من ورائه شيئا بل سيكون تكفيرا عن جريمة تاريخية ارتكبتها الدولة فى حق هذا الصرح وفى حق أجيال من المصريين سقط بعضهم أسرى التطرف وبعضهم أسرى الانحلال والتردى الأخلاقى يوم قررت أن تحبس الأزهريين بين جدران مسجدهم وغضت الطرف عن تشويه صورتهم فى مخيلة المجتمع المصرى بالفيلم المستهزئ والمسرحية الساخرة ويوم أن ضيقت عليهم معاشهم وألجأت بعضهم إلى تكفف الناس.
******************** ******************** *****************
(٤)
الأزهر ليس ملكا لأحد...هو وقف للأمة الإسلامية كلها...لا تحده حدود ولا تمنعه سياسات... وسواء أعجب مصطلح «الأمة» البعض أم أغاظهم.. فلن يغير ذلك من الأمر شيئا... نعم هناك «أمة» موصوفة بـ«الإسلامية» شاء من شاء وأبى من أبى...نعم ضعفت هذه الأمة...وبلا شك تقهقرت عن مصدر قوتها وريادتها..وتخلت عن مهمتها فى قيادة الإنسانية إلى تقدمها وصلاحها...إنما أن ينتهى أمرها فهيهات... بطون الأودية والبحار تكتظ بمن توهموا ذلك.