ضمانات غير قابلة للتجاوز أو الانتقاص - محمد بصل - بوابة الشروق
الجمعة 10 أكتوبر 2025 11:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

ضمانات غير قابلة للتجاوز أو الانتقاص

نشر فى : الخميس 9 أكتوبر 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الخميس 9 أكتوبر 2025 - 7:30 م

يرى شركاء العدالة جميعًا أن هناك مشكلة دستورية فى المادتين 64 و105 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية. 64 تسمح لمأمور الضبط القضائى باستجواب المتهم دون حضور محاميه، و105 تحظر على عضو النيابة العامة استجواب المتهم أو أن يواجهه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا فى حضور محاميه. أعاد رئيس الجمهورية المادة 105 إلى البرلمان منبهًا إلى هذه المفارقة، بمنح مأمور الضبط المنتدب من النيابة العامة صلاحية أوسع مما تملك النيابة العامة ذاتها كسلطة تحقيق أصيلة.

تضخمت المشكلة وباتت عنوانًا لغياب التوافق. اعترضت نقابة المحامين على المساس بضمانة وجوب حضور المحامى مع المتهم فى جميع مراحل الاستجواب والتحقيق، وانسحب نقيبها الأستاذ عبدالحليم علام من اجتماع اللجنة الخاصة لنظر تعديل المشروع الذى انعقد السبت الماضى، كما اعترض النواب الثلاثة مها عبدالناصر وضياء الدين داود وأحمد الشرقاوى استنادًا إلى النص الدستورى الصريح فى المادة 54».. ولا يبدأ التحقيق معه (أى المتهم) إلاّ فى حضور محاميه، فإن لم يكن له محام نُدب له محام…».

لم يظهر حتى وقت كتابة هذه السطور تقرير اللجنة الخاصة عن التعديلات. لكن مشهد الغضب والانسحاب يقول بوضوح إن المشروع ليس محل توافق كامل مما يتطلب التأنى. كما أن قصر التعديلات على الاعتراضات المقدمة من الرئيس كان قرارًا خاطئًا لم يراع الوحدة الموضوعية والإجرائية لعدد من مواد المشروع.

فعلى ضوء الإلزام الدستورى بعدم بدء التحقيق إلّا فى حضور المحامى، كان الأوفق تعديل المادة 64 وليس المادة 105، بإضافة عبارة أو أكثر تقيد الصلاحية الاستثنائية الممنوحة لمأمور الضبط القضائى عند استجواب المتهم فى الأحوال التى يخشى فيها فوات الوقت.

ولقد اعترف وزير العدل المستشار عدنان فنجرى – بنص تقرير اللجنة العامة - بأن السماح للنيابة العامة باستجواب المتهم دون حضور محاميه فى حالات الضرورة «أمر به إشكالية دستورية» ولكن «يقابل ذلك فى الواقع ضرورات عملية تقتضى قدرًا من المرونة». وهذا اتجاه يناقض طبيعة الإلزام الدستورى ويتحلّل منه دون مقتضى.

إن المشرع الدستورى استحدث شرط حضور المحامى لإجراء التحقيق فى المادة 39 من دستور 2012 التى كانت تنص على: «.. ولا يجرى التحقيق معه إلا فى حضور محاميه..» وعند إعداد دستور 2014 أيدت لجنة الخبراء العشرة ثم لجنة الخمسين ذلك الشرط، وأُدخل تعديلٌ أكثر تشددًا يحظر مجرد بدء التحقيق مع المتهم إلّا فى حضور محاميه بالمادة 54.

تكشف الأعمال التحضيرية للجنتين التمسك الكامل بجميع الضمانات الواردة فى تلك المادة. نقرأ ما قاله د. صلاح فوزى عضو لجنة الخبراء: «هذه المادة حملت ضمانة مهمة جدًا.... أعتقد أن هذا قيد على المشرع يصب فى خانة حماية الحقوق والحريات ولا بأس أن يتضمنه الدستور».

أما مناقشات لجنة الخمسين فاكتظت ترحيبًا وإشادة بالمادة 54 مع التنبيه الواضح إلى حق الدفاع على لسان النقيب الأسبق الأستاذ سامح عاشور: «المسألة هنا هى دور الدفاع أن يحمى المتهم بمجرد أن يقبض عليه، أى يكون معه محام... عندما تحجب عنه المحامى أو تبعده أو تخيفه، تضيع كل الحقوق التى نتكلم عنها فى الدستور».

واللافت أن اللجنة رفضت تمامًا آنذاك مقترحًا قدمه أحد الأعضاء لتعديل عبارة «لا يبدأ التحقيق معه إلّا فى حضور محاميه» للتمييز بين أحوال الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس وغيرها من الاتهامات. حيث تصدى له عاشور، بالإضافة إلى المقرر العام د. جابر نصار الذى أكد أنها ضمانة لا ترتبط بنوع الجريمة «بقدر ارتباطها باحتجاز المتهم للتحقيق، وهنا لا بد أن يحضر المحامى».

ما سبق يؤكد أن المشرع الدستورى حرص على استحداث شرط حضور المحامى، لصالح العدالة ولحماية المواطن، وأن النص أضيف ثم عُدّل بوعى كامل لمنع ما قد يترتب على مخالفته من انتهاك لحق الدفاع وللحرية الشخصية.

أما المحكمة الدستورية العليا فشددت مرارًا على أن المادة 54 تكفل صون الحرية الشخصية «بما يحول بين المشرع وتعديلها أو العدول عنها» فى تعبير صريح عن ضرورة الالتزام بالضمانات الواردة فى المادة وعدم التحايل عليها (راجع مثلًا حيثيات الحكم فى الدعويين 58 و99 لسنة 21 ق).

إنها ضمانات لا يمكن تجاوزها اليوم، وغير قابلة للانتقاص مستقبلًا. ولنتذكر - على سبيل الاحتياط - أن المادة 226 من الدستور تحظر تعديل النصوص المتعلقة بمبادئ الحرية أو المساواة إلّا بمزيد من الضمانات.

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات