الرؤية الكلية للإنجازات العلمية - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:54 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرؤية الكلية للإنجازات العلمية

نشر فى : السبت 6 أبريل 2019 - 11:50 م | آخر تحديث : السبت 6 أبريل 2019 - 11:50 م

 نحن الآن في عصر الفريق وعصر التجمعات، الفردية لم تعد تؤتي أُكلها كما كانت في الماضي، لنسرد بعض الأمثلة: إزداد العلم تعقيداً وبالتالي الإكتشافات العلمية لم تعد تعتمد على الشخص الفردي بل تعتمد على فريق متكامل من تخصصات مختلفة ودرجات علمية مختلفة من طلبة و أساتذة وباحثين من تخصصات عدة، العلوم نفسها أصبحت متداخلة ويؤثر كل علم منها في الآخر، في مجال الأعمال يحتاج إنشاء شركة كبيرة إلى تخصصات مختلفة وشبكة من الاتصالات مع شركات عديدة فشركة لتصميم الملابس تحتاج إلى التعامل مع شركات أخرى للحصول على الأقمشة والأصباغ وما شابه وتحتاج شبكات للتسويق وللتصدير ... إلخ، إذا فالعالم كله متداخل ولم يعد فيه مجال لشخص فرد بل يحتاج إلى لاعب في فريق متكامل، هذا اللاعب يحتاج إلى شيئين: أن يتقن دوره وأن يتقن التعامل مع باقي أعضاء الفريق أي أنه يجب أن يعرف الصورة الكبيرة وأين يقع دوره في هذه الصورة الكبيرة، في هذا المقال نتحدث عن الصورة الكبيرة في المجالات العلمية والتكنولوجية وكيف أن النظرة الضيقة لا تفيد وأن الرغبة في الظهور على حساب المنتج النهائي تضر الكل.

 مثلث العلم والتكنولوجيا والإقتصاد أصبح أوضح ما يمكن في أيامنا هذه، العلم يحاول فهم الطبيعة (بما فيها جسم الإنسان) وتطويعها أو حماية نفسه من تقلباتها، لكن العلم وحده لا يصل لحياة الناس إلا في صورة تكنولوجيا مثل الأدوية وأدوات الإتصال وكل ما نستخدمه في حياتنا اليومية من مسكن وملبس ... إلخ، لكي يقوم الإنسان بالبحث العلمي ثم يحوله إلى مخترعات (أي تكنولوجيا) فإنه يحتاج إلى تمويل وهذا التمويل يأتي عن طريق الاقتصاد الذي يسوِق لتلك التكنولوجياعلى هيئة منتجات وخدمات وهذا التسويق يعتمد على ما يريده الناس ويجعل حياتهم أسهل ويتماشى مع العرف السائد في المجتمعات، إذا فعندما نفكر في الإنجازات العلمية يجب أن نرى الصورة الكاملة أو الرؤية الكلية، الأبحاث في الجامعات والمراكز البحثية وحدها لا تؤثر في حياة الناس حتى تتحول إلى إختراعات عن طريق الشركات التي تمتلك التمويل والمصادر القادرة على إيصال البحث العلمي إلى حياة الناس، على المستوى الأكبر يجب أن تتعاون جميع الجامعات مع الوزارات وشركات القطاع الخاص حتى نحقق إنجازات علمية ومخترعات مفيدة، فمثلاً إذا حصل باحث في مركز بحثي أو جامعة على تمويل لبحثه ولكن تقف البيروقراطية حائلاً بينه وبين استخدام هذا التمويل فلن نحصل على النتائج المرجوة، يجب أن تتعاون الوزارات والجامعات بل والحكومات والدول ولا تتنافس فيربح الجميع، طبعاً هذه رؤية متفائلة جداً وقد لا تتحقق على مستوى الدول فلنجعلها على الأقل تتحق على المستوى الأصغر.

 كمثال آخر على تداخل جميع التخصصات والمصالح لننظر إلى الذكاء الإصطناعي الذي أصبح مصطلحاً شهيراً جداً في أيامنا هذه، عندما نرى كيف يؤثر في الجامعات نرى تأثيره في عدة أشياء: أولاً المواد الدراسية يجب أن تتغير لتواكب هذا التطور ويجب ألا تقف البيروقراطية في وجه تطوير محتويات مادة دراسية أو إدخال مواد دراسية جديدة، ثانية البحث العلمي في الجامعات في رسائل الماجستير والدكتوراه في تخصصات عدة (هندسة ورياضيات وعلوم حاسب بل وطب وتجارة وحقوق) يمكن أن تطور من استخدامات الذكاء الإصطناعي، يمكن أيضاً أن تنشئ الجامعات مركزاً للاستشارات  للشركات تساعدها على استخدام الذكاء الإصطناعي لتطوير عملياتها، وأخيراً يمكن استخدام الذكاء الإصطناعي في بعض شئون إدارة الجامعة مثل وضع بعض الإمتحانات وتصحيحها وإختيار المواد الدراسية في كل فصل وهكذا.

نرى الآن أن الذكاء الإصطناعي يحتاج إلى فريق عمل كبير وتخصصات كثيرة ويتغلغل في حياة الناس عن طريق شركات وخدمات كثيرة.

 قلنا في بداية هذا المقال أن عالمنا الآن يحتاج إلى لاعب فريق جيد يجيد دوره ويرى الصورة الكبيرة ويجيد التعامل مع باقي أفراد الفريق، إذا فالشخص المتخصص جداً ولا يدري شيئاً عن العلوم الأخرى التي تؤثر وتتأثر بعلمه لن يكون لاعباً جيداً، هذا في الجانب العملي والعلمي أما عن الجانب الأخلاقي فيجب على اللاعب الجيد أن يكون همه المنتج النهائي الذي يفيد البشرية لا أن يكون هو من يظهر في الصورة على أنه العالم الجهبذ أو المخترع الكبير.

 هل تريد أن تساعد في تحسين الحياة في هذا العالم؟ أم تريد أن يمدحك هذا العالم؟

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات