لم يكن المرء مدركا أن الشرخ النفسى قد تغلغل وتعمق فى جدار الشخصية المصرية إلى الحد الذى يجعل السادية والتلذذ بالإهانة والتعذيب تعرف طريقها بمنتهى السهولة إلى قلوب أكثرنا على هذا النحو.
طغمة من الأوغاد حاصرت مواطنا وأوسعته إهانة وتجريحا على طريقة إذلال الحوارى والعشوائيات بعد أن حطمت سيارته وسرقت هاتفه المحمول وعبثت فى خصوصيات رسائله بوقاحة منقطعة النظير، ثم وياللعجب يتسلمه منهم قسم الشرطة بمنتهى البساطة وبعد تأكدهم ــ أى الشرطيون ــ أنه ليس مطلوبا جنائيا وكأن هذا هو الأصل أو كأن من اقتاده إلى ساحة قسم الشرطة مواطنون شرفاء ضبطوا مجرما شقيا، يطلق الشرطيون سراحه.. ماذا عن الإهانات؟ السيارة المحطمة؟ هاتفى المسروق؟ ثمة ضحكة ساخرة طويلة ستنطلق فى الخلفية إن كان هذا مشهدا من مسرحية هزلية.
تختلف أو تتفق معه كما تشاء لكنه فى النهاية إنسان له أبسط الحقوق الآدمية وبالمناسبة كانت أولى مقالاتى على صفحات «الشروق» تنتقد بمنتهى الوضوح نهجه وكذا نهج من شابهه من ضيوف القنوات المحسوبة على التيار الإسلامى آنذاك.
وكنت قد أعلنت قبل عام ونصف العام استنكارى الخالى من أى تحفظ بارد لفعلة عديمى النخوة والمروءة الذين تعدوا بالضرب والشتم على نوارة نجم رغم شاسع مسافة الاختلاف التى تفصل بيننا.. غير أنها قيم الإسلام.. والإنسانية.
وإلى هؤلاء الذين يسارعون فى البغى والعدوان بغير تثبت أو بحث أذكرهم أنى أرفض الإرهاب كما ذكرت مرارا أيا كان مصدره، فالبلطجة إرهاب منظم شأنها شأن غيرها.. ولا يمكن لعاقل من الثوار الأصليين ــ المرحلة التى نحياها تحتم على استخدام ذلك الوصف ــ أن ينسى الدور المشبوه الذى لعبته تنظيمات البلطجية لتعضيد الحزب الوطنى المنحل قبل الثورة، بل إن هذا الدور جنبا إلى جنب القمع المنظم الذى استمرأته الدولة البوليسية فى السابق كان عود الثقاب المشعل لفتيل ثورة يناير بلا منازع.
هل المطلوب من المواطن العادى أن يوفر لنفسه وأسرته الأمن فيستأجر من البلطجية من يحميه ويحمى أمواله ويحرسه أينما سار نظير إتاوة مثلا؟ إذن فما الذى تنتظره وزارة الداخلية حتى تعلن عن خطة زمنية واضحة المعالم تجهز فيها على ظاهرة البلطجة أو تخفف وطأتها على أقل تقدير ويتضافر معها فى الوقت نفسه خطةٌ إعلامية ٌوكذا تشريعية عاجلة لسن قوانين رادعة تكفى لوأد هذه الظاهرة قبل أن نتجرع جميعا المرار من نفس الكأس.