التجارة الرابحة في الماضي - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التجارة الرابحة في الماضي

نشر فى : الثلاثاء 6 سبتمبر 2022 - 7:35 م | آخر تحديث : الثلاثاء 6 سبتمبر 2022 - 7:35 م
لا أفصل واقعة محاولة هدم قبر عميد الأدب العربى طه حسين عن مشهدين آخرين حدثا فى نفس الأسبوع، المشهد الأول كشفه الناقد السينمائى الكبير عصام زكريا فى مقاله على موقع «باب مصر» حين تناول واقعة تسرب مقتنيات الفنان الكبير نور الشريف من الكتب والأرشيفات الخاصة إلى أرصفة باعة الكتب فى القاهرة، والمشهد الثانى كتبه الناقد السينمائى عماد النويرى على صفحته الشخصية بـ«فيس بوك» ذكر فيه أن الناقد القدير سمير فريد، كتب له قبل رحيله بشهور قليلة، طالبا منه أن يجد له فى الكويت مشتريا لأرشيفه الذى تجاوز 50 ألف وثيقة مرئية ومسموعة لكى يستطيع إكمال علاجه المكلف بعد فترة معاناة شديدة.
وذكر النويرى وهو ناقد قدير يعيش فى الكويت أنه اتصل بعدها بالناقد محسن ويفى رئيس جمعية نقاد السينما لتصعيد الأمر إلى الجهات الحكومية المسئولة لإيجاد وسيلة ما لعلاج سمير فريد على حساب الدولة، بدلا من اللجوء فى آخر الأمر لبيع أرشيفه الذى لا يقدر بمال. لكن ما حدث فعليا أن الكثير من وثائق الأرشيف الضخم الخاص بالناقد الراحل ظهرت فى أبو ظبى، وحتى الآن لا أحد يعرف من قام بالشراء؟ أو متى؟ لماذا تقاعست الجمعيات السينمائية فى مصر أو أى جهة مسئولة، عن تقديم العون لإنقاذ أرشيف يمثل جزءا من ذاكرة السينما المصرية والعربية.
والوقائع الثلاث تحمل إشارة واضحة لعدم الوعى بقيمة التراث كمحدد من محددات قياس درجة التحضر وفى هذا الجانب لا فرق بين أداء عائلات المشاهير وبين أداء الدولة التى لا تملك قانونا للتراث يضع ضوابط واضحة لحماية وصون التراث المادى واللامادى ويحدد إجراءات واضحة لحفظ هذا التراث وحمايته من الضياع.
وبالمثل لا تملك الدولة سياسة لحفظ الأرشيفات العائلية الخاصة أو لاقتنائها وتعويض ورثتها للحفاظ على ثروة ضخمة لا يمكن تقديرها بالمال لكنها تهدر وتبعثر بين أرشيفات وأسواق عدة دون ضابط أو رابط على الرغم من أننا جميعا نعرف أن التجارة فى الماضى هى الأكثر ربحا.
وخلال الأعوام الثلاثة نمت أسواق كثيرة تعيش على ما يتم تسريبه من أرشيفات وبعض هذه الأسواق فى دول خارجية وبعضها الآخر فى القاهرة والإسكندرية لدى تجار محترفين أو بعض هواة الاقتناء الذين ساعدت مواقع التواصل الاجتماعى فى الترويج لما لديهم من مقتنيات تباع نهارا جهارا دون إجراءات حماية أو تسجيل تساعد فى حصر تلك المقتنيات فى سجلات لخدمة عمليات البحث والإطلاع
وكم قرأت وسمعت من أحاديث عن تسرب أوراق ومخطوط لكاتب بحجم نجيب محفوظ لا تزال تظهر من حين لآخر ولا يمكن بطبيعة الحال السيطرة على هذه السوق بالدعوة لإجراءات منع أو مصادرة لكن ما أدعو إليه بالتحديد هو الاهتمام بأوعية البحث والأرشفة، لحماية حق الأجيال المقبلة فيما لدينا من كنوز.
والأهم من ذلك التوسع فى سياسة الإتاحة وتطوير خدمات الإطلاع الإلكترونى، لأن هناك إجماعا بين خبراء الأرشيف والمكتبات والمتاحف وجميع أوعية الحفظ على أن أفضل الوسائل لحفظ الأرشيف هى إتاحته ومما يؤسف له أيضا أن الكثير من مراكز البحث فى مصر لا تزال تتشدد فى إجراءات الاطلاع بما يحرم الآلاف من الباحثين من الإحاطة بما لدينا من نوادر تتعرض كلها للضياع وللتآكل ناهيك عن السرقة والنهب.
ومن يطالع صفحات التواصل الاجتماعى سيجد الكثير والكثير من الوقائع التى تستحق أن نتوقف أمامها ونتساءل حول حقيقة ما يحدث لتراثنا المادى وغير المادى من عمليات اغتصاب منظم فى ظل غفلة من الجميع.