أكد اختيار المعارضة الفنزويلية الموالية للولايات المتحدة والغرب ماريا كورينا ماتشادو باريسكا للحصول على جائزة نوبل للسلام للعام الحالى أن الغرب لا يعترف إلا بمنظوره للسلام، ولا يكرم إلا الموالين لهم والمناوئين لأنظمة الحكم التى لا يرضى عنها الغرب. فعلت اللجنة ذلك فى عام 1975 عندما منحت الجائزة للمنشق السوفيتى أندريه سخاروف بدعوى تقدير «كفاحه من أجل حقوق الإنسان، ومن أجل نزع السلاح، ومن أجل التعاون بين جميع الدول» وفعلته فى عام 2003 عندما منحت الجائزة للمعارضة الإيرانية شيرين عبادى «لجهودها فى مجالِ الديموقراطية وحقُوق الإنسانِ، لا سيّما الأطفال والنساء واللاجئين». وتكرر الأمر فى منح الجائزة للمعارضة اليمنية توكل كرمان والرئيسة الليبيرية إلين جونسون سيرليف والناشطة الليبيرية ليما جوبوى، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة التى خلت من تكريم أى مناضل ضد الهيمنة الغربية والحكومات الموالية لها فى مختلف دول العالم.
وإذا كان فى مقدور البعض الدفاع عن اختيارات لجنة نوبل للسلام طوال السنوات الماضية بعيدا عن التصورات الغربية للسلام وحقوق الإنسان، فإنه يكاد يكون من المستحيل الدفاع عن تجاهل هذه اللجنة لرموز غربية وفلسطينية ناضلت كما لم يناضل أحد دفاعا عن حقوق الإنسان وسيادة القانون الدولى فى مواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية المدعومة غربيا فى قطاع غزة، وفى مقدمتهم الإيطالية النبيلة فرانشيسكا باولا ألبانيزى المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضى الفلسطينية المحتلة التى رفضت الاستسلام لمحاولات الترهيب الأمريكية والصهيونية لكى تغض الطرف عن المذابح التى ارتكبتها إسرائيل فى قطاع غزة. وإلى جانب ألبانيزى كان المحامى البريطانى كريم خان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية الذى تحدى الحرب الأمريكية وأصر على إصدار مذكرة اعتقال بحق مجرمى الحرب الإسرائيليين بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيونى ويوآف جالانت وزير دفاعه السابق بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى غزة. وكذلك كانت المحكمة الجنائية الدولية التى قاد الغرب جهود إنشائها متخيلا أنها ستكون أداته لملاحقة قادة الدول «المارقة» من المنظور الغربى مثل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والرئيس السودانى السابق عمر البشير، جديرة بالحصول على جائزة نوبل للسلام بعد أن انحازت إلى ما يردده الغرب نفسه عن مبادئ القانون الدولى والمساءلة وأصرت على ملاحقة قادة الكيان الصهيونى إلى الدرجة التى جعلت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تفرض عقوبات عليها وعلى مسئوليها.
وإذا كان الغرب قد منح جائزة نوبل للسلام عام 1999 لمنظمة أطباء بلا حدود الدولية المرموقة «تقديرا للعمل الإنسانى الرائد للمنظمة فى عدة قارات»، ألم تكن الأطقم الطبية فى قطاع غزة جديرة بالجائزة للعام الحالى، تقديرا للدور الإنسانى غير المسبوق الذى قامت به هذه الأطقم من الفلسطينيين والمتطوعين الأجانب لتقديم الرعاية الصحية لضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية على مدى أكثر من عامين.
وإذا كانت النخبة الحاكمة فى الغرب تتمسك بالروح الاستعمارية الاستعلائية فى تعاملها مع قضايا العالم، فإن قطاعات كبيرة من الشعوب الغربية أظهرت قدرا كبيرا من الإنسانية والانحياز للقيم العليا بعد أن تجاوز الكيان الصهيونى كل الحدود فى حربه الإجرامية ضد قطاع غزة، وهو الموقف الذى شكل ضغطا واضحا على حكومات أوروبا أجبرها على تبنى مواقف أقل انحيازا ودعما للعدوان.