صلاح الدين الأيوبى.. الأسطورة والحقيقة والأكاذيب - خالد عزب - بوابة الشروق
الأربعاء 15 أكتوبر 2025 11:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

صلاح الدين الأيوبى.. الأسطورة والحقيقة والأكاذيب

نشر فى : الأربعاء 15 أكتوبر 2025 - 9:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 15 أكتوبر 2025 - 9:00 م


لا تمر علينا أيام إلا ويخرج علينا من ينتقد أو يتهم السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بتهمة لا أساس لها ولا صحة لها، بل تهم يأتى بها لغرض فى نفس قائلها، وهذا لا يعنى أن صلاح الدين الأيوبى فوق النقد، فهو حاكم يجوز نقده بل وإخضاعه للتقييم، مثله مثل باقى الحكام، فهو تراخى بعد تحرير القدس فى الاستيلاء على ساحل بلاد الشام، وهو ما أعطى الفرصة للصليبيين فى الهجوم والتمكن من الساحل من عكا إلى يافا، ويرد علينا آخر أن الإرهاق أخذ مأخذه من الجيش الأيوبى بعد معارك دامية، وهكذا يكون الأخذ على والرد على المواقف من قبل المؤرخين.
أولا، قصر عدد كبير ممن كتبوا عن السلطان صلاح الدين الأيوبى فى تحليل شخصيته، فالكل حصرها فى كونه رجل حرب، فى حين أنه كان ملما بعدد من العلوم فقد جلس وهو صغير فى السن لتلقى العلم فى الجامع الأموى على يد عدد من العلماء منهم عبدالله بن عصرون، فكان مختلفا عن كل من حوله، فهو أيضا ممن رأوا غيره يحكم ويدير وعلى رأسهم نور الدين محمود السلطان المحارب، وحين جاء إلى مصر ضمن جيش نور الدين محمود عبر سيناء ثم بلبيس، واجه الصليبيين ثم الخونة من الوزراء الفاطميين، لكن أهم محطة هى توليه إمارة الإسكندرية، فحاصره الصليبيين وأنصارهم من البر والبحر، فأظهر من المهارة ما بهر العقول، واجتذب قلوب السكان نحوه بما رأوا فيه من الشجاعة والأقدام والصبر فى منازلة العدو ــــ صمد سبعين يوما ــــــ ولكن الصليبيين فكوا الحصار بعد أن تطرق اليأس إليهم، تولى صلاح الدين الأيوبى وزارة الدولة الفاطمية وكان عمره 22 عاما، ليواجه حصار الصليبيين لدمياط فصدهم، وجابه ثورة الجند السودانيين ضده، ثم أدرك ضعف ووهن الدولة الفاطمية بعد أن صارت أراضى مصر مفتوحة أمام الصليبيين بل تحالف كبار رجال الدولة الفاطمية مع الصليبيين، لذا كان عليه إزالة هذه الدولة التى وصلت لمرحلة الهوان المذل، فعقد العزم على أن يكون الدعاء فى خطبة الجمعة للخليفة العباسى الذى كانت له السيطرة الاسمية على العالم الإسلامى، فكانت خطبة الجمعة بمثابة إعلان نهاية الخلافة الفاطمية على مصر، وعودة السلطة الاسمية للخلافة العباسية على مصر، صار صلاح الدين له حكم مصر، واتهم صلاح الدين بإغلاقه الجامع الأزهر، وهذه الفرية شاعت وانتشرت، وفى حقيقة الأمر أن صلاة الجمعة أبطلت فى الجامع الأزهر وأقيمت فى جامع الحاكم بأمر الله وهو جامع فاطمى أيضا، ولم تكن هذه أول مرة تبطل صلاة الجمعة فى الأزهر بل أبطلت عند تشييد جامع الحاكم فى العصر الفاطمى لتنقل إليه كما فعل صلاح الدين، وسبب هذا قرب جامع الحاكم من دار الوزارة فى الجمالية حيث كان يقيم صلاح الدين، ليس إلا، وهذا كله سببه أن فقهاء المسلمين لم يكونوا يجيزون صلاتين للجمعة فى مسجدين فى أى مدينة فى وقت واحد حرصا على وحدة الجماعة.


كما أن الجامع الأزهر ظل مفتوحا للصلاة طوال الأسبوع، بل حتى ظل مقرا للتدريس، فقد درس به الرحالة عبد اللطيف البغدادى حين زار مصر فى العصر الأيوبى.


الفرية الثانية التى ارتبطت بصلاح الدين الأيوبى هى إحراقه مكتبة القصر الفاطمى، وهذه الفرية تكذبها كل المصادر المعاصرة واللاحقة على عصر صلاح الدين الأيوبى، فهو سمح للقاضى الفاضل وغيره كالعماد الأصفهانى بالحصول على الكتب من المكتبة الفاطمية، وهذه الكتب نقلت إلى المدارس والمساجد، وبعض الكتب عرضت للبيع حتى استمر البيع فيها فى بعض المصادر عشر سنوات، بل نقل الكامل بن العادل جزءا من هذه المكتبة للقلعة، وفقدت فى حريق حدث بالقلعة دمر المكتبة وغيرها.


إن عظمة أو أسطورة صلاح الدين الأيوبى لا ترتبط بشخصه فقط بل بقدرته على اختيار رجال دولته الذين هم أدواته ومستشاروه فى الحكم، وعلى رأسهم القاضى الفاضل والعماد الأصفهانى وبهاء الدين قراقوش ساعده الأيمن ورجله القوى، وأسعد بن مماتى القبطى الذى تولى إدارة مالية دولته، بل إن هذه الدول نما بها العلم وصارت له مكانته، فوصلتنا مخطوطات علمية من عصره، مثل كتاب (نهاية الرتبة فى طلب الحسبة) للشيزرى، وسجلت الجزائر فى ذاكرة العالم باليونسكو مخطوط (القانون فى الطب) الذى ألفه موفق الدين بن المطران الطبيب الخاص لصلاح الدين الأيوبى، بل إن تقدم العمارة فى عصره لدينا مئات الشواهد عليه أبرزها بئر الماء التى حفرت بعمق 90 مترا من سطح قلعة صلاح الدين إلى أقصى عمق لتكون ناقلة للمياه التى تنحدر فى قناة مياه حفرت وبطنت من شاطئ النيل أسفل تكية قصر العينى إلى مهوى البئر التى عرفت ببئر يوسف ويوسف هذا هو صلاح الدين، فى معجزة تشهد بتطور علوم المياه فى عصره، كما أنه شيد سورا ضخما لحماية العاصمة المصرية من شاطئ مصر القديمة إلى جامع الفتح فى ميدان رمسيس، وهو مشروع جبار هدفه حماية العاصمة من هجمات الصليبيين، بل أقام الأبراج والأسوار والقلاع فى ساحل مصر الشمالى خاصة فى دمياط والإسكندرية اللتين كانتا تهاجمان بصورة مستمرة من قبل الصليبيين، وما زالت أسواره باقية فى الإسكندرية وتتخلل بعض أبراج الأسوار استاد الإسكندرية الرياضى، وذهب إلى تحصين المسافة فى وسط سيناء بالقلاع التى مازالت باقية إلى اليوم ليؤمن طرق الحج والتجارة، بعيدا عن الطريق الساحلى بسيناء الذى كان مهددا من قبل الصليبيين، نعم كانت لصلاح الدين رؤية استراتيجية فريدة لحماية مصر، قبل تحريره القدس.


إن الخوض فى السيرة الذاتية لصلاح الدين تكشف حبه للعلم فهو شيد المدارس ورعى العلماء وقربهم، وبالرغم من أنه ألحق هزائم مريرة بالصليبيين، فإنه ظل فى الوعى الأوروبى نموذجا للفروسية بمعناها الأخلاقى، حتى إنه أُلفت ملحمة شعبية فى القرن الـ14 م تصف أعماله البطولية، بنى صلاح الدين احترام الأوروبيين له ليس عن طريق تعامله مع كبرائهم بل مع أبسطهم، فقد ذكر الأصفهانى، أنه فى سنة 1191 م، كانت امرأة من الفرنجة قد اختطف منها طفلها الذى يبلغ من العمر ثلاثة شهور، وبيع فى السوق، فنصحها الفرنجة بالتظلم لصلاح الدين نفسه، فأمر باستعادة الطفل من ماله الخاص، وأعاده إليها.


مؤرخو الصليبيين المعاصرين لصلاح الدين ذكروا عنه الكثير، وليم الصورى مؤرخ الحروب الصليبية ذكر أنه: «رجل ذو روح متقدة شجاع فى الحروب وكريم إلى درجة السخاء»، هناك أساطير دارت حول صلاح الدين فبعد احتلال إسرائيل للقدس، استلهم المسلمون شخصية صلاح الدين المنقذ، وصار الكل ينتظر صلاح الدين عصرنا، وصاغ أعداؤه أكاذيب نالت منه، ليبقى صلاح الدين الإنسان هو الحقيقة التى يجب أن نستلهم منها الدروس والعبر، فهو إنسان له ما له وعليه ما عليه.

خالد عزب  مشرف علي برنامج ذاكرة مصر المعاصرة
التعليقات