تكنولوجيا السوبر كمبيوتر التي نحتاجها بشدة في مصر - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تكنولوجيا السوبر كمبيوتر التي نحتاجها بشدة في مصر

نشر فى : السبت 7 مارس 2020 - 11:25 م | آخر تحديث : السبت 7 مارس 2020 - 11:25 م


يعتبر سيمور كراي (Seymour Cray) أسطورة حقيقية في مجال تصميم أجهزة الكمبيوتر فائقة السرعة (السوبركمبيوتر). ورغم وفاته سنة 1996 إلا أن إبتكاراته وتصميماته في هندسة الحاسبات مازالت مستخدمة حتى الآن. وقد صدر كتاب عن قصة حياته بعد سنة واحدة من وفاته تصدر المبيعات لمدة طويلة خاصة بين مهندسي وعلماء الحاسبات بعنوان (The Supermen) أو "الرجال الخارقين" من تأليف تشارلز ميوراي (Charles J. Murray). أنشأ سيمور كراي شركة تحمل إسمه (Cray) سنة 1972 مازلت موجودة حتى الآن وكانت تصنع أسرع أجهزة كمبيوتر في العالم لمدة عقدين من الزمان. فما هي أجهزة السوبركمبيوتر؟ وكيف تختلف عن أجهزة الكمبيوتر العادية التي نستعملها في حياتنا اليومية؟ ولماذا نحتاجها في مصر الآن وفي المستقبل؟

جهاز الكمبيوتر العادي ينفذ أوامر توجه إليه نسميها البرمجيات. تلك البرمجيات يكتبها مبرمجون وينفذها الكمبيوتر بتسلسل كتابة البرنامج؛ أمر تلو الآخر. معظم التحسين الذي كان يحدث في تلك الأجهزة على مدار عقود كان في زيادة سرعة تنفيذ الأوامر. لكن هناك برمجيات معقدة جداً تحتاج السرعات تفوق قدرة أجهزة الكمبيوتر العادية. ومن هنا نشأت الضرورة لابتكار أجهزة فائقة السرعة.
تلك الأجهزة فائقة السرعة تقسم البرمجيات المعقدة إلى برمجيات أصغر تنفذها على التوازي في وقت واحد. البراعة تكمن في كيفية كتابة البرمجيات بطريقة تسمح بتقسيمها، كما تكمن البراعة في كيفية بناء الأجهزة التي يمكنها تنفيذ هذا النوع من البرمجيات دون استهلاك كميات كبيرة من الطاقة (تكلفة استهلاك الطاقة قد تصل لعدة ملايين من الدولارات في العام الواحد) ودون أعطال ودون نقاط ضعف يسهل إختراقها لأن تلك الأجهزة تستخدم في تطبيقات مهمة أمنياً وتطبيقات قد تعتمد عليها حياة الناس مثل إدارة شبكات نقل الطاقة. كل هذه الأسس والمعايير وضع أساسها علماء كثيرون خلال السنوات السبعين الماضية وعلى رأسهم سيمور كراي. ومازال السباق محتدماً بين أمريكا والصين واليابان في بناء أسرع سوبر كمبيوتر في العالم. لكن لماذا تصرف تلك الدول مليارات لبناء تلك الأجهزة؟

تستخدم الدول المتقدمة أجهزة السوبر الكمبيوتر في تصميم الأسلحة وفي التشفير وفي إختراقات أنظمة وشبكات الكمبيوتر في البلدان المنافسة والمعادية (بل والصديقة أيضاً في بعض الأحيان!). وتستخدم في إبتكار أدوية جديدة وفي التحليل فائق السرعة للبيانات بهدف استنباط أسرع للمعلومات وبالتالي اتخاذ القرارات بسرعة وبدقة. بالإضافة إلى الاستخدامات العلمية في كل مجالات البحث العلمي من الفيزياء والكيمياء إلى علوم المخ والأعصاب. لذلك تعتبر الدول المتقدمة أجهزة السوبر كمبيوتر سلاح استراتيجي.

يمكننا في مصر الاستفادة من هذه الاجهزة. بخلاف التشفير والتأمين ضد الهجمات الإلكترونية هناك استخدامات علمية كثيرة لها في مصر.
على سبيل المثال الصناعات الدوائية تعتمد على المحاكاة الدقيقة للتفاعلات الكيميائية لابتكار أدوية أكثر فاعلية وبسرعة أكبر حتى تصل ليد المرضلى في وقت مناسب لإنقاذ حياتهم، علاج مرض مثل السرطان، الذي لن يتم القضاء عليه إلا بما يسمى الدواء الشخصي (Personalized drug) وهو دواء مركب يتم تصنيعه وتحديد مكوناته بدقة لمريض بعينه. هذه النوعية من الأدوية تحتاج في إبتكارها إلى أجهزة كمبيوتر سريعة جداً قادرة على قراءة وتحليل الحمض النووي للمريض وتاريخه المرضي ثم تركيب دواء يساعد هذا المريض نفسه، في الوقت الحالي هذا يستغرق وقتاً طويلاً جداً قد يموت المريض قبل وصول الدواء ليده، أجهزة السوبر كمبيوتر القوية ستتمكن من تجاوز مشكلة التأخير.
أجهزة السوبر كمبيوتر يمكن أن تستخدم أيضاً في تخطيط الطرق وإتجاهات سير المرور لتقليل الإختناقات المرورية، نحن في عصر تبنى فيه الكثير من الطرق لكن باستخدام السوبر كمبيوتر سيتم تحديد الأماكن الأكثر إحتياجاً للطرق وعدد الحارات وإتجاهات المرور وأين توضع اللوحات الإرشادية لتقليل الحوادث، كل ذلك يتم حسابه بدقة عن طريق المحاكاة.

السوبر كمبيوتر يستخدم أيضاً في محاكاة إنتشار وباء معين في بلد ما وبالتالي تستعد الدولة بالأدوية اللازمة في تلك الأماكن المعرضة أكثر للوباء.

في مجال الطاقة يساعد السوبر كمبيوتر على تحديد الأماكن التي يحتمل وجود بترول أو غاز بها ويجب التنقيب فيها، تستخدم الكثير من شركات الطاقة مثل شركة توتال الفرنسية تلك التقنية.

استخدام السوبر كمبيوتر ضروري جدا في المراكز العلمية المحلية مثل مركزالتميز للتغيرات المناخية والتنمية المستدامة التابع للمركز القومي للبحوث الذي دعيت لافتتاحه منذ عدة شهور، لأن متابعة تأثير التغيرات المناخية واستحداث طرق لمواجهتها تعتمد على نظم المحاكاة الدقيقة وهذا لا يتأتى إلا باستخدام أجهزة السوبر كمبيوتر،؛ فكلما كان الجهاز أسرع كانت المحاكاة أكثر دقة. هناك الكثير من المشروعات البحثية في مصر ستستفيد من تلك الأجهزة وستكون النتيجة هي أبحاث أكثر قيمة وأوراق علمية دولية رفيعة المستوى وبراءات إختراع أكثر.

نحن في عصر تنهمر فيه المعلومات في كل لحظة وبكثافة كبيرة. تحليل هذه المعلومات للإسراع من إتخاذ القرارات يحتاج إلى أجهزة قادرة لاستيعاب كل ذلك وتحليله. هناك سيناريوهات كثيرة يمكن لمصر الاستفادة من هذه الاجهزة فيها. السؤال الملح الآن: هل نستطيع شراء تلك الأجهزة؟
الإجابة أقرب إلى النفي لعدة أسباب: أولاً لن تعطيك الدول المتقدمة الأجهزة الأكثر تقدماً عندها بل ستعطيك أجهزة متأخرة جيلين أو أكثر. ثانياً ستكون تحت رحمة تلك الدول عندما تحتاج صيانة تلك الأجهزة أو لتحديث انظمة برمجياتها أو كتابة برمجيات جديدة لها. ثالثاُ تلك الأجهزة باهظة الثمن فمثلاً في خضم السباق التي تخوضه أمريكا مع الصين أولاً ثم اليابان تعاقدت وزارة الطاقة الأمريكية (وهي الممول الرئيسي لأغلب أجهزة السوبركمبيوتر في أمريكا) مع شركة إنتل لبناء جهاز جديد يسمى (Aurora) يدخل الخدمة مع سنة 2021 ليستخدم في تطبيقات الذكاء الإصطناعي على مستوى غير مسبوق. والميزانية الموضوعة لهذا الجهاز 500 مليون دولار ونحن كدول نامية لا نستطيع تحمل هذه التكلفة او حتى نصفها، فما هو الحل؟

في الوقت الراهن لا نحتاج أسرع أجهزة في العالم لكن نحتاج أجهزة ذات سرعات معقولة وهذه نستطيع تجميعها عندنا في مصر ومن مكونات رخيصة. هذا سيجعل التكلفة أقل كثيراً من جهاز كامل نشتريه من الخارج. وطالما قمنا بتجميع الجهاز في مصر فسنستطيع صيانته. أما بخصوص البرمجيات يجب أن ندرب أجيال جديدة قادرة على كتابة برمجيات لتلك النوعية من الأجهزة لأنها تختلف كثيراً عن برمجيات أجهزة الكمبيوتر العادية وتطبيقات أجهزة الهواتف الذكية. وعندما يصبح عندنا هذا الجيل المؤهل يمكنه مساعدة جميع الهيئات في مصر التي تحتاج أن تستخدم هذه الأجهزة فائقة السرعة ويمكننا تصدير البرمجيات للخارج أيضاً. سوق برمجيات أجهزة السوبر كمبيوتر ليس كبيرا ولكن البرمجيات غالية الثمن جداً وعائدها كبير، هذا بخلاف استخدام تلك البرمجيات فيما يتعلق بالأمن القومي ولن نصبح تحت رحمة الدول المتقدمة التي قد تعطي وقد تمنع.

إمتلاكنا للتكنولوجيا المتقدمة ليس مستحيلاً نحتاج مهندسي حاسبات وإلكترونيات وعلماء حاسب وأساتذة قادرين على تدريس وتدريب الأجيال الجديدة على تصميم وبرمجة أجهزة السوبر كمبيوتر وإرادة للنجاح.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات