نشرت صحيفة The new york times مقالا للكاتبتين رجا عبدالرحيم وهبة يزبك، تناولتا فيه ظاهرة كتابة الشباب الفلسطينى رسائل وداع أو بمعنى أوضح وصايا قبل استشهادهم. كما أشارتا إلى آراء بعض الخبراء النفسيين لتحليل هذا التصرف، إذ أوضحوا أنه نابع من الشعور بالمسئولية والواجب الوطنى للتضحية فداء للوطن مثل الكبار... نعرض من المقال ما يلى:
قبل مقتل عمرو الخمور، 14 عامًا، برصاص القوات الإسرائيلية بينما كان يرشق سيارة جيب عسكرية بالحجارة فى مسقط رأسه، كان يقضى وقته فى الرقص مع الأصدقاء، ويسجل مقاطع فيديو تيك توك على هاتفه.
ولكن بعد وفاته فى يناير الماضى، عثر والداه على صورة لرسالة وداع مكتوبة بخط اليد على هاتفه، مفادها: «إذا جئت إليك شهيدًا إن شاء الله لا تبكى. واغفر لى كل خطأ ارتكبته».
تشير الكاتبتان إلى أن هذا النوع من الرسائل ليس بالأمر الجديد، إذ اعتاد المقاتلون الذين حملوا السلاح ضد إسرائيل مع مجموعات مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامى» فى فلسطين ترك رسائل أخيرة، وأحيانًا مقاطع فيديو عالية الجودة، لإعلان مسئوليتهم عن الهجمات التى يتوقعون أنها ستفقدهم حياتهم.
لكن هذا النوع من الرسائل لم يعد حكرا على الكبار بل انتقل الأمر إلى الشباب الفلسطينيين مثل عمرو ــ غير المنتمين إلى الجماعات المسلحة ولكنهم مع ذلك على استعداد لمواجهة القوات الإسرائيلية. تضمن هذه الرسائل كلمات وداع للأحباب وطلبات الصفح والنصائح للقتال ضد إسرائيل تُعرف باللغة العربية بـ«الوصايا»، حتى لو لم يترك مؤلفوها وراءهم أى مصادر مادية. كتب الكثير منهم على ورق دفتر ملاحظات.
واستكملت الكاتبتان القول، بأن شهادات الوداع تعكس إحساسًا سائدًا بين العديد من الشباب بأن الموت أمر بطولى وذو مغزى وحتمى خلال فترة هى الآن الأكثر دموية للفلسطينيين منذ ما يقرب من عقدين فى الضفة الغربية التى تحتلها إسرائيل.
للتوضيح، شنت إسرائيل، الأسبوع الماضى، غارات جوية ضمن عملية عسكرية تعد أكبر توغل عسكرى لها منذ عقود فى الضفة الغربية، فى مدينة جنين الفلسطينية، بدعوى أنها تريد اجتثاث الجماعات المسلحة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 فلسطينيًا، بحسب مسئولين محليين. إجمالا، قُتل ما لا يقل عن 155 فلسطينيا هذا العام، معظمهم خلال الغارات العسكرية الإسرائيلية على البلدات والمدن الفلسطينية، أو فى هجمات شنها المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون.
من ناحية أخرى، يعد هذا العام أليما أيضا للإسرائيليين. إذ صعدت الغارات العسكرية بعد سلسلة من الهجمات التى شنها فلسطينيون على إسرائيليين. حتى هذه اللحظة، قُتل ما لا يقل عن 29 إسرائيليًا على أيدى مهاجمين فلسطينيين، وهى من أعلى حصيلة القتلى منذ عام 2008.
ومع تصاعد وتيرة العنف، يشعر العديد من الشبان الفلسطينيين بضغوط إضافية عليهم لتحمل المسئولية الوطنية والانخراط فى النضال ضد إسرائيل.
لطالما اعتبر المجتمع الفلسطينى «الشهداء» هم أى شخص قتلته القوات الإسرائيلية، مع عرض العديد من صورهم على الجدران واللافتات فى المدن الفلسطينية، ومؤخرا على منصات التواصل الاجتماعى مثل إنستجرام.
لذا فى غالب الأمر، يتم نشر رسائل الوداع من قبل وسائل الإعلام الفلسطينية ويتم تداولها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعى، مما يشجع المزيد من الشباب الفلسطينى على كتابة رسائلهم الخاصة.
من جانبها، قالت الدكتورة سماح جبر، رئيسة وحدة الصحة النفسية فى السلطة الفلسطينية، إن كتابة هذه الوصايا تدل على صدمات جيلية للفلسطينيين الذين يعيشون فى الأراضى المحتلة، والتعامل مع نقاط التفتيش والغارات اليومية التى تشنها القوات الإسرائيلية. يشعر الكثير من الشباب بواجب القيام بأدوار الكبار، بما فى ذلك مواجهة القوات الإسرائيلية.
كما قال خبراء الصحة العقلية مثل الدكتور سماح جبر وعايد حوشية، المستشار فى مدرسة للأولاد فى مخيم الدهيشة، إنهم وآخرين بحاجة لمساعدة الشباب الفلسطينى على توجيه المخاوف أو الإحباط إلى أعمال مثمرة بدلا من المواجهات مع القوات الإسرائيلية التى قد تؤدى إلى استشهادهم.
قبل أقل من أسبوعين من استشهاد عمرو، اسُتشهد صديقه آدم عياد، 15 عامًا، بالرصاص خلال غارة مماثلة للجيش على مخيم الدهيشة. قالت عائلته إنه مثل عمرو، كان يتسلل من منزله عندما يداهم الجيش المخيم لمواجهة الجنود ورشقهم بالحجارة.
أشارت الكاتبتان أن والدة آدم وجدت ــ قبل وفاته بحوالى شهر ــ رسالة وداع منه، ورد فعلها كان تمزيق الرسالة والتوسل إليه بألا يكتب شيئا كهذا مرة أخرى. لكنه فعل ذلك ثانية واحتفظ بها فى جيبه، ليتم العثور عليها بعد إطلاق النار عليه ونقله إلى المستشفى.
إليكم نص الرسالة، «أردت أن أفعل أشياء كثيرة، لكننا نعيش فى مكان تحقيق الأحلام فيه أمرًا مستحيلًا». وأضاف آدم أن، «الاستشهاد انتصار. صحيح أن حياتك تنتهى، لكنها على الأقل تنتهى بالسعادة».
وبعد أيام، زار عمرو قبر آدم فيما يعرف بمقبرة الشهداء على أطراف الدهيشة. أخبر أصدقاءه أنه يريد أن يُدفن فى الأرض الفارغة المجاورة لآدم. فى ذلك الوقت، جمع السيد حوشية، مستشار المدرسة، طلابه وأخبرهم أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلى لا تتعلق فقط بحمل السلاح ــ بل قد تعنى الدراسة والتخطيط للمستقبل أيضًا. نصحهم بعدم كتابة رسائل وداع.
لكن أصر الطلاب على أن وطنهم يتطلب التضحية. وقال محمد الأفندى، 15 عاما، طالب بالصف العاشر، «إن آخرين اعترفوا بأنهم أعدوا بالفعل رسائل الوداع الخاصة بهم».
بعد أشهر من وفاة عمرو، غالبًا ما ينضم أصدقاؤه إلى والدته عندما تزور قبره، فى نفس الأرض التى قال إنه يريد أن يُدفن فيها. إنه مغطى ببحر من الزهور، حقيقى وصناعي، تميل على القبر بعناية.
إلى ذلك، اعترف عدد قليل من أصدقاء عمرو بأنهم كتبوا وصاياهم بالفعل. وهناك دلائل أخرى على أن بعضهم قد يسير فى طريقه للاستشهاد.
ختاما، ما زال هناك قبور فارغة بجانب الشهيد عمرو. وعلى نفس الدرب، يقول بعض أصدقائه إنهم بدأوا بالفعل التخطيط لاستشهادهم.
جملة أخيرة، رسائل الوداع أو «الوصايا» ــ أيا كان المسمى ــ هى أكبر دلالة على أن الشباب الفلسطينى غير آبه بروحه ولا يخشى مدافع الاحتلال أو طيرانه، فالوطن عنده أهم.
ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلي
https://bit.ly/3NDRepq