المصادفة وحدها أيضا هى التى ساقتنى للكتابة عن هذا الفيلم، وفى هذه المرة شعرت بالحنق الشديد على كتاب السيناريو والمخرجين الذين اقتبسوا أفلامهم ووضعونا كباحثين فى دائرة مظلمة مقفلة بإحكام،
كنت أود كتابة مقال عن المخرج الأمريكى بيلى وايلدر، وكيف أنه تم اقتباس أغلب افلامه وتحولت إلى افلام مصرية منها: «ايرما الغانية» و«البعض يفضلونها ساخنة» وفيلم «الشقة» وأعمال أخرى، ووجدت نفسى أمام مفاجأة اسمها «حكم القوى» انه الفيلم الذى أخرجه حسن الامام مرتين وياسمين مختلفين، تعالوا نعرف الحكاية:
فى السبعينيات بعد مرور أكثر من ربع قرن قرر حسن الامام إعادة إخراج الكثير من أفلامه التى سبق أن قدمها تحمل اسلوبه، ومنها: «غضب الوالدين» و«الملاك الظالم»، و«حب فى الظلام»، وأيضا «حكم القوى»، وهو الفيلم الذى أعاد تقديمه باسم «الكروان له شفايف»، عام 1976، كل هذه الأفلام مقتبسة من روايات فرنسية شهيرة، وكان محمد مصطفى سامى هو كاتب السيناريو والحوار، وفى بعض هذه الأفلام لم يكن يذكر اسم الرواية الاصلية، والفيلم الأول «حكم القوى» انتاج عام1951، وهو الذى جمع نخبة كبيرة من النجوم، كما انه الفيلم الذى التقى فيه فريد شوقى مع هدى سلطان للمرة الأولى، أما الفيلم الثانى فقد جمع أيضا العديد من النجوم الذين صاروا كبارا فى السينما، وكانت البطولة النسائية لكل من نبيلة عبيد وسهير رمزى، أما الفيلمان فإن المصدر الأدبى الأساسى كان يحمل اسم «روجيه لاهونت» من تأليف الفرنسى جول مارى المخرج هو الذى كتب بنفسه، المؤلف هو جول مارى، لكن الحقيقة أن الفيلم اقرب فى موضوعه إلى فيلم أمريكى باسم «شاهد اثبات»، اخراج وايلدر عام 1957، وبطولة تشارلز لوتون ومارلين ديتريش، وفى الفيلم اشارة إلى أن الفيلم الأمريكى مأخوذ عن مسرحية لأجاثا كريستى عام 1953، وأن النص الاصلى هو قصة قصيرة لأجاثا كريستى منشورة عام 1925، أى أن حكاية جول مارى هى تأليفة من المخرج، ويحتاح الأمر إلى تفسير، فى هذه الفترة من السبعينيات كان هناك حماس ملحوظ من طرف حسن الامام للممثل سمير صبرى الذى منحه ــ هنا ــ البطولة المطلقة، وجسد الشخصيات التى قام بأدائها محسن سرحان فى أفلامه القديمة، حيث السيناريو عمل ميلودرامى استعراضى غنائى، ولم يكن الإمام يمتلك براعة أبناء جيله من المخرجين فى عمل الفيلم الاستعراضى، ومنهم حسين فوزى، وعباس كامل وأنور وجدى، وإن قدم فقط الفيلم الغنائى، ولم يشأ حسن الامام أن يعترف انه مغرم بالسينما الغنائية التى تعتمد القصة الرئيسة فيها على ارتكاب الجريمة، القاتل ابن الخمسينيات قاسم شريف الذى يظل مطلق السراح لفترة غير قصيرة، يستمتع بما فعل، أما شريكه حسين البرىء الطيب فتقترب رقبته من حبل المشنقة، كان الاثنان يديران فرقة مسرحية استعراضية، فلما أفلست اختلقا، وقررا الانفصال بطلب من قاسم الذى وضع حسين فى موقف حرج أمام أعضاء الفرقة والوسط الفنى.
من المهم أن نعقد مقارنات بين فترتين تدور فيهما نفس الحدوتة بدون إضافات، فهل تصلح تفاصيل الجريمة التى دارت فى عام 1951 أن تنتقل دون تغيير إلى أوائل الربع الأخير من القرن الماضى؟ بالطبع الاجابة بالنفى، لكن المخرج لديه قناعات أن الغناء والرقص لا يزالان بخير، فأسند دور بطلة الفرقة إلى سهير رمزى ودفعها أن تغنى أكثر من مرة، وهناك الزوجة التى تعشق رجلا ظهر فى حياتها فراحت تلح عليه أن يتقبل عواطفها، وكانت النتيجة أنه تورط فى جريمة قتل لم يرتكبها، ووضعته فى مأزق اجتماعى بالغ الحرج، نحن هنا امام العديد من المستويات فوقوع جريمة قتل عادية كان من الممكن أن يثير الرأى العام فى الخمسينيات، لكنها لن تلفت أنظار أحد فى العقود التالية، لأن الجرائم صارت أكثر وحشية، ففى منتصف السبعينيات تغيرت الأمور كثيرا، ولم يعد الأمر يعنى ان قاتلا ترك اموالا عليها بقع الحبر، وكان ذلك دليلا استطاعت الشرطة الوصول من خلاله إلى القاتل، إذن فإن سينما حسن الامام فى العقد السادس لم تعد تدهش الناس فى السبعينيات، فالرجل متزوج من امرأة تدبر له أموره، كما انه مطارد من قبل دلال حبيبته السابقة التى لا تزال تكنّ له مشاعر الحب، لكنه لا يسعى لإغوائها احتراما لزوجها، وهو صديقه القديم، كما ان حسين مضطر إلى التعامل مع المرابية تفيدة التى تتذبذب فى الموافقة لعمل شراكة مع حسين، باعتبار أن قاسم يشككها فى قبول الشراكة، باعتبار أن مهنة المرابية لم تعد موجودة فى السبعينيات، وقاسم هذا يقوم بقتل تفيدة من أجل نقودها الكثيرة، ويتم القبض على حسين، ويصحو ضمير دلال ونحاول كشف أن قاسم هو القاتل.
قام حسن الامام بالالتزام بالسيناريو القديم دون أى اضافات، فإن تم حذف أشهر مشاهد «حكم القوى»، وهى مشاهد الطفلة سهير فخرى تعترف ضد أبيها، اعتمد الفيلم الأول على المطربة الجديدة هدى سلطان فى الغناء، وهنا غنت سهير رمزى بصوت مطربات أخريات، والفيلمان تدور أحداثهما الأساسية بعد حدوت الجريمة، وبداية التحقيقات، والمحاكم، حيث تبدو معادن الناس، فالزوجة تقف مع زوجها وتطلب منه أن يتكلم عن المرأة التى كانت معه وقت حدوث الجريمة، والمحامى لا يعرف أن حسين وزوجته دلال كانا معا.
هذا هو ما يعزف عليه الفيلم أن اعتراف حسين سيدمر اسرة، وهو يفضل أن يموت معدوما، وهذا ما يعلنه المحامى انه من المؤكد أن حسين كان موجودا مع زوجة أحد اصدقائه.
فى المشهد الأخير تدخل دلال إلى المحكمة وبكل شجاعة تعترف انها المرأة المقصودة التى كانت مع حسين لحظة ان قتل رجل آخر المرابية.
احتفظ السيناريو الجديد بجميع أسماء ابطال الفيلم القديم مثل دلال وقاسم والمحامى، وقد ألغى الفيلم الجديد شخصية الابنة التى جسدتها الطفلة سهير فخرى التى شاهدت أباها يدخل بيت القتيلة، ورأت خيالا يطعن المرأة فظنت ان أباها هو القاتل، وفى المحكمة اعترفت بما شاهدت، فورطت أباها أكثر، وقد بلغت الطفلة حد الاعجاز فى الأداء وهى تشهد ضد أبيها، ربما انه لا يمكن اعادة مثل هذه المشاهد بالقوة نفسها أو لأسباب أخرى.