يجب أن يعالج موتسارت - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يجب أن يعالج موتسارت

نشر فى : الأحد 7 سبتمبر 2014 - 7:35 ص | آخر تحديث : الأحد 7 سبتمبر 2014 - 10:32 ص

لا يملون مما يقولون رغم أنه ممل، فالأغلبية الساحقة تسير فى اتجاه الأغلبية، ولا مكان لمن يغرد خارج السرب.. لا مجال لرأى مخالف يأتى خارج الإطار المحدد سلفا. وكما كان الاتحاد السوفيتى السابق يسمى أمراضا نفسية جديدة ليقمع معارضيه، فيتهم من يرفض أفكار الحزب الواحد بالشيزوفرنيا والخيبة، بل يخضعهم للعلاج إلى أن يرجعون لصوابهم.. أضافت جمعية الطب النفسى الأمريكية بعض «الأمراض» إلى دليلها التشخيصى والإحصائى للإضرابات النفسية المعمول به دوليا، كى توصف بعض الأعراض التى قد تصيب المنشقين عن النسق العام. جاء مثلا فى هذا الدليل المنقح «اضطراب التحدى المعارض»، وضمن أعراضه «زيادة نسبة الإبداع والتهكم عن المتوسط»، فالمصاب كثير الجدل، يرفض الانصياع للتعليمات بسهولة ويستثار بسرعة.. ما جعل أحد كتاب جريدة الواشنطن بوست يقول إن موتسارت لو عاش بيننا لشخصت حالته على أنها قصور فى الانتباه وكان سيتم إخضاعه للعلاج حتى يصبح «طبيعيا»، لأننا صرنا فى مجتمعات ترفض التفرد وخصوصية الشخصية.. الجميع يجب أن يخضع للعلاج لكى يصبح الناس سواسية.. مواطنون عاديون يسيرون ضمن آخرين!

•••

وهو ما نراه يوميا على مستوى الجماعات والشعوب، وأعراض ذلك تبدأ من البله العام وتنتهى بالشوفينية أو المغالاة فى التعصب: أفضل بلد فى العالم، العرق الأسمى، الدين الأمثل، الرأى الذى يدافع عن المصلحة العليا، الجنود الذين يلبسون زيا موحدا ويمشون بخطوة عسكرية موحدة، الميليشيات المسلحة التى تستخدم القوة والإرهاب ضد من لا يخضعون لمواصفات دولتهم «النموذج».. والطغاة والمستبدون يستغلون هذه الرغبة فى التماثل، فى أن أكون شبه الآخر خوفا من العزلة.. وتكون النتيجة أن نسير جميعا مع التيار مهما كان الاتجاه، أو أن أدخل دائرة الصمت اللولبية.. وهى تلك الدائرة التى وصفتها عالمة الاجتماع الألمانية ــ إليزابيث نويل نيومن ــ فى سبعينيات القرن الفائت من خلال نظرية «دوامة الصمت» الخاصة بدور الإعلام فى تكوين الرأى العام والإتجاه السائد داخل مجتمع بعينه.

•••

تقوم هذه النظرية على فكرة أن الأفراد العاديين يلوذون بالصمت ويكتمون آراءهم عندما لا تأتى فى اتجاه الأغلبية، فهم حريصون على كسب قبول المحيط أو المجموعة التى ينتمون إليها ولا يودون أن يصيروا على الهامش. ولم يتغير ذلك بظهور شبكات التواصل الاجتماعى على الإنترنت أو الميديا غير التقليدية، كما أفادت دراسة أجراها العام الماضى مركز بيو للأبحاث (Pew) بالولايات المتحدة الأمريكية على عينة مؤلفة من 1801 شخص. كان الاستبيان يتعلق بتسريبات إدوارد سنودن التى كشفت انتهاك وكالة الأمن القومى الأمريكى لخصوصية المواطنين، وطرح السؤال على مستخدمى الانترنت إذا ما كانوا على استعداد لتبادل الآراء حول هذه القضية عبر حساباتهم على تويتر وفيسبوك. اتضح أن 86% من أفراد العينة يفضلون الحديث فى الموضوع وجها لوجه، بدلا من الفضاء الإلكترونى، وأن الأغلبية لا تفضى برأيها الصريح سوى أمام من يعلمون أنهم يشاركونهم وجهة النظر نفسها. وهذا معناه أن هناك ما يطلق عليه «ديكتاتورية اللايكات»، أى أننى أطرح الرأى الذى قد يكسبنى أكبر عدد من المعجبين على صفحتى بالفيسبوك أو يجعلنى أكثر انتشارا على تويتر. ونظل ندور فى دائرة الصمت نفسها، ونترك مساحة أكبر للساسة والبيروقراط والقائمين على الأمور لكى يفرضوا آراءهم التى ترددها أبواق الإعلام. فى حين أنه للحفاظ على قدر من الذكاء والتفكير النقدى حاليا، ربما يكون من الأفضل عدم التعرض طويلا لوسائل الإعلام.

وهنا أختم بمقولة جاءت على لسان عالم الوراثة الفرنسى ألبير جاكار، (الذى توفى العام الماضى)، وذلك ردا على سؤال حول تنمية ذكاء الفرد: « لا أدرى كيف تصبح أكثر ذكاء، لكنى أعلم كيف تزداد نسبة التخلف: ببساطة بالجلوس أمام التليفزيون. يكفى أن تمكث كمتلقٍ سلبى لساعات»، وما أدراك كم عدد الساعات التى يجلس فيها المصريون أمام الشاشات.

التعليقات