الجامعات العربية وسوسيولوجيا الدين - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجامعات العربية وسوسيولوجيا الدين

نشر فى : الإثنين 8 يناير 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 8 يناير 2018 - 10:10 م
نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتبة «آمال موسى» جاء فيه: هناك حقيقة يجب الاعتراف بها، وهى أن معالجة الأحداث المتتالية والكثيرة، وممارسة ــ فى الوقت نفسه ــ فعل البناء والتأمل العميق الرصين من الأشياء الصعبة جدا؛ ذلك أن تراكم الأزمات تجعل المجتمعات والنخب أيضا مأخوذة بالآنى إلى حد النخاع وإهمال المعالجة من الجذور أو ذلك التوق إلى الفهم المعمق الذى لا يتم بلوغه ومعانقته إلا بالتعرف على الأسباب التى لا تتحقق نسبيا بدورها إلا بالقبض على الأسباب الأكثر تحكما فى إنتاج الظواهر.

ولكن على الرغم من هذه الصعوبة فإنه لا مفر من المحاولة والإقدام بكل شجاعة وصفاء ذهنى على المعالجة العلمية للظاهر، بعيدا عن ضجيج المعالجات الإعلامية والسياسية والأمنية.

سأدخل فى الموضوع مباشرة: إن المسألة الدينية هى من المسائل التى تدرَس فى بلداننا فى كليات وأقسام الفقه والشريعة وعلم الكلام والتفسير وغيرها، أى أنها من مشمولات العلوم الشرعية. وهذا طبعا أمر جيد ومهم، لأن الدين معرفة مختصة ذات فروع، ولا بد من تدريسها بدقة كى تتخرج أجيال وكفاءات متخصصة فى معرفة حساسة ودقيقة تتصل بالدين.

بمعنى آخر، فإن تدريس الدين ضمن العلوم الشرعية أمر مهم وضرورى، ولكن حسب تقديرنا غير كافٍ.
فالملاحَظ أن المسألة الدينية لا تزال حكرا على العلوم الشرعية وكليات الدين فى عالمنا العربى الإسلامى، وهو وضع يستحق توسيع الأفق والتفكير فيه وفق رؤية تبحث عن الإثراء.

سؤالنا: لماذا إلى اليوم لا يتم تدريس علم الاجتماع الدينى فى أقسام العلوم الاجتماعية فى جامعاتنا، وأى معنى لهذه المسافة التى تتعالى على شروط الواقع الجديد ومشكلاته المستحدثة؟

يبدو لى أن الدين حاضر بقوة فى الأزمات التى تعصف بالمنطقة، ومن غير الممكن مواصلة القنوع بالتفسير الشرعى الذى يحدد لنا كيف يجب أن يكون سلوكنا من منظور إسلامى فى حين أن التخصصات الأخرى، مثل علم الاجتماع، تقدم لنا تفسيرات مختلفة وأجوبة من نوع مختلف تهتم بالأسباب المنتجة للظواهر الدينية، أى أنها تخصصات لا تعتنى بما يجب أن يكون، بل هى منشغلة ومشغولة بالوقائع الاجتماعية.

فظهور الجماعات التكفيرية، وسياقات انبثاقها، وتزايد تأثيراتها، وإقبال شباب فى عمر الورد على الدخول والتجنيد فى شبكات الموت وتكفير الآخر... كلها ظواهر نعانى منها اليوم فى بلداننا، وهى سبب ما نحن فيه من إرباك وركود وتأزم اقتصادى وقيمى. وهنا تكمن قيمة تخصص علم الاجتماع، وحتى علم النفس الاجتماعى الدينى، كى نفكك هذه الظواهر المركبة المعقدة ونضعها تحت الدرس العلمى البحثى المعمق. وأغلب الظن أن الجامعات والمخابر التى تزخر بها جامعاتنا هى الأَوْلى بمثل هذا التناول. كما أنه قد حان الأوان كى يتم تدريس علم الاجتماع الدينى كمادة قارةٍ فى تكوين طلبة علم الاجتماع لأن مثل هذا الاهتمام ستكون له نتائج إيجابية، أهمها تكوين باحثين مختصين فى هذا الفرع السوسيولوجى، ومن ناحية أخرى تشجيع الأبحاث فى هذا الحقل الاجتماعى المهم والأساسى أكثر من أى وقت مضى.

أيضا الانخراط فى هذا التمشى سيعكس إرادة واضحة فيما يسميه عالم الاجتماع سارى حنفى، أنسنة المعرفة الدينية وجعل المعرفة الدينية مطلة على اختصاصات مهمة وعلى الأديان جميع والتوحيدية منها فى المقام الأول؛ ذلك أن هذه المعرفة بمثابة التحصين، خصوصا أن عمل الجماعات التكفيرية يقوم على الدمغجة، والتلاعب بالعقول، وهندسة العقول على نحو منغلق وعدائى إقصائى.

ولعله من المهم أن تؤدى المنظمات مثل «الإيسيسكو» و«المؤتمر الإسلامى» دورا حيويا فى الدفع إلى اعتماد تدريس علم الاجتماع الدينى فى أقسام العلوم الاجتماعية، وتجاوز مرحلة وثقافة أن يكون الدين فقط من مشمولات العلوم الشرعية.

عندما نقرأ مؤلفات الغرب فى مجال علم الاجتماع الدينى نجد أن هذا الفضاء الثقافى العلمانى لم يتهاون فى هذه النقطة، بل إن المؤسسين الأوائل لعلم الاجتماع الحديث مثل عالم الاجتماع الفرنسى إميل دوركايم وابن أخته مرسيل موس، وماكس فيبر عالم الاجتماع الألمانى، وبعدهم روجى باستيد وغابريال لوبرا... كلهم اهتموا بالظاهرة الدينية ودرسوا الدين فى جانبه الثقافى وفى أبعاده الطقوسية ذات الصلة بالممارسات الدينية فى الحياة اليومية، حتى إن إميل دوركايم كتب بشكل واثق وعلنى «كل شىء يُفسر بالدين»، واعتبر ماكس فيبر أن الجنسانية قلب الدين... باختصار شديد هناك تراث علمى غنى فى فرع علم الاجتماع الدينى، الأمر الذى يقوى من مصداقية ضرورة تدريسه كمادة مستقلة بموضوعاتها ورموزها وأفهامها المتعددة.

إن تفاعل الجامعات فى بلداننا مع الوقائع والأسئلة والظاهرة الجديدة يقتضى توسيع مقاربات دراسة الدين وعدم الاكتفاء بالمعرفة الشرعية. فالظواهر ذات الصلة بالدينى تجتاح العقليات والممارسات والأزمات وصولا إلى الصراعات الأهلية وما بين الدول.

لذلك تحتم علينا الضرورة المعرفية المتصالحة مع احتياجات الواقع الاجتماعى إيلاء المعرفة الاجتماعية الإنسانية فى مجال الدين الاهتمام والأولوية اللازمين.

الشرق الأوسط ــ لندن

 

التعليقات