هاتفنى واحد من عواجيز الفرح فى أعقاب مباراة مصر وغانا التى انتهت بفوز منتخبنا وحصوله على كأس الأمم الأفريقية للمرة الثالثة على التوالى، كنت مثل كل المصريين فى حالة غامرة من السعادة، قلت له بانفعال بهيج: مبروك، فرد ببرود يليق بمنظر إستراتيجى يحمل هموم الإنسانية على ظهره: يا سيدى يعنى حررنا القدس.
ولأنى أعرف ما سيلى هذه العبارة الموجزة من تقعرات، فقد بادرته: أستئذنك أحسن القهوة على النار وحرجع أكلمك، وطبعا لم أكلمه حتى الآن، وآثرت أن أواصل فرحتى مع أسرتى الصغيرة وجيراننا والناس فى الشارع.
طبعا أتمنى مثل صديقى المشمأنط أن أستيقظ فى الصباح وقد زالت إسرائيل من الوجود، وتحررت القدس، وعاد شعبنا العربى فى فلسطين إلى دياره، واستعادت سوريا الجولان، وعم الحب والوئام كل شبر فى عالمنا العربى، لكن ذلك لا يحدث بالتمنى، وهو ما يدركه صاحبنا أيضا. صديقى على ما يبدو يقترح أن نؤجل فرحنا حتى نحرر القدس، وإلى أن تحين هذه اللحظة، التى ننتظرها منذ 60 عاما، فإن وجوهنا ينبغى أن تكسوها الكآبة، وأن يعتصر الألم قلوبنا، وألا نسمح لأنفسنا بأن نضبط متلبسين بالابتسام مهما كانت الأسباب.
لا يعرف صاحبنا الفرح، ولا يرى فى الانتصار المبهر لفريقنا ما يبعث على الأمل فى إمكانية تحقيقه بمواقع أخرى إذا عملنا بروح الفريق.
عواجيز الفرح يخلطون الحابل بالنابل، ويستحضرون شياطين أيدلوجياتهم المريضة لاستثمار المناسبة، ويرون فى فرحة جمال وعلاء مبارك بالفوز ركوبا للموجة، مع إنها تلقائية ومنطقية جدا، لأنهم مصريون مثلى ومثلك، مهما كان عنف معارضتنا للنظام ورفضنا الحاسم للتوريث.
يزعج عواجيز الفرح أن نقول لهم إن مصر التى انتصرت ليست الجمهورية العربية المتحدة وليست رقما فى دولة الخلافة، مصر التى انتصرت عبرت عنها أغنية المطرب محمد حماقى البديعة، عن ولاد الأصول، والتى أرجو أن يسمعها صديقى جيدا، لأنها تعبر بكلمات قليلة عن معدن الشعب المصرى، الطيب المتسامح المحب، الذى يرفض الإهانة ويدرك قيمة عطائه للإنسانية.
على النقيض من صديقى المشمأنط، فقد اقترح أحد القراء النابهين فى رسالة إلى بريد «الشروق» إقامة مباراة بين المنتخب الوطنى ومنتخب توجو الذى تعرض لهجوم إرهابى منعه من المشاركة فى البطولة، يخصص عائدها لأسر الضحايا.
فكرة بسيطة، لكنها مهمة فى اتجاه تعميق الروابط مع شعوب القارة الإفريقية، أضم صوتى لصوته، وأدعو مخلصا عواجيز الفرح أن ينقطونا بسكاتهم.