نشرت «الحياة» تحقيقا بعنوان «مواطنة بدرجة معرّف»، يحكى حال المرأة السعودية فى تعاملها مع المرافق الحكومية. التحقيق لخّص الحال بأربع كلمات «الدخول ممنوع، والوجه مطموس». «الحياة» تحدثت إلى أميرة التى روت تجربتها مع وزارة التعليم وهى مُنعت من الدخول، بسبب «عدم وجود قسم نسائى»، لتُحال على إدارة الشئون المدرسية. وتضيف: «بعد التوقيع وتعبئة الأوراق كاملة، طلبت الموظفة هويتى الوطنية لتصويرها وإرفاقها مع الأوراق، فسلمتها إياها. وبعدما قامت بتصويرها، تناولت القلم وطمست صورتى بالكامل، ما استفزنى للسؤال عن السبب. فأجابت أن من الممنوع أن تتوجّه أوراق المراجعات إلى الإدارة المعنية فى الوزارة، من دون أن تُطمس الوجوه. وتناولت نسخا من الأوراق وهويتى المطموسة، وسألتها عن الإجراء التالى، فقالت: يتوجه ولىّ أمرك إلى الإدارة للتسلم»، وهى تساءلت: «ما الفائدة من هويتى إن كانت ستُطمس، وما الفائدة من مراجعتى إن كان ولىّ أمرى مَنْ سيتسلم الأوراق، ولن يتم الأمر من دونه؟».
الهوية الوطنية للمرأة معمول بها فى السعودية منذ عام 2001، وفى عام 2013 أُلزِمت المرأة بالحصول على بطاقة الهوية الوطنية خلال مدة لا تتجاوز سبع سنوات، وبعدها تكون هذه البطاقة هى الوسيلة الوحيدة لإثبات هويتها. لهذا، فإن النظام الذى شجّع على إصدارها، لا يمكن أن يطالب بطمسها، فضلا عن أن المرأة أصبحت، أخيرا، محامية وتترافع أمام المحاكم. لكن مشكلة المرأة فى التعامل مع أجهزة الدولة، اجتماعية بامتياز. وهى لا تقف عند طمس الصورة، ومنع الدخول إلى مرافق حكومية ومتابعة أمورها بنفسها فحسب. هناك ما يسمّى «ولىّ الأمر» الذى اتسعت سطوته إلى الحد الذى جعل السيدة، نسيمة السادة، تصف تأثيره بالقول: «نحن قاصرات إلى الأبد». وهى قسمت الولاية إلى نوعين: «الأول هو الاعتبارات الذهنية الجمعية للمجتمع، أو الشخصية، سواء كانت العائلة أم المرأة ذاتها. فالاعتقاد السائد هو أن الرجل، أيا يكن، يمثل السلطة على كل امرأة، وليس أهله فقط. والنوع الثانى هو النظامى الذى شرّع السلطة الذكورية الاجتماعية ورسّخها بأنظمة قيّدت المرأة، ومنحت الرجل السلطة للتحكم بحياتها وقراراتها، فى غياب الحماية القانونية التى يجب أن توفرها لها الدولة، من أى تعسف وإساءة».
خلال السنوات الخمس الماضية تبنّت السعودية حزمة إجراءات وقرارات، حدّت من الوصاية المجتمعية والإدارية على المرأة، وساهمت فى تخفيف سطوة الرجل. لكن هذه الإجراءات لم يرافقها أى جهد يحميها من اجتهادات أفراد ومؤسسات، ويؤكد للناس أنها توجهات مجتمع ودولة، ولا مجال لإهمالها، أو تعطيلها، أو رفضها.
لا شك فى أن الوضع الاجتماعى والوظيفى والحقوقى للمرأة السعودية تطوّر إلى حد مشجع. وشهد الجانب العدلى تطورا ملموسا لمصلحتها، والاعتراف بحقوقها، والسعى إلى إعطائها هويتها كمواطنة كاملة الأهلية.
الأكيد أن صورة المرأة السعودية ما زالت تُعامَل بطريقة استشراقية فى بعض وسائل الإعلام. لكن الأكيد أيضا أن بعض المؤسسات الرسمية، وبعض المجتمع ما زال يرفض تنفيذ توجهات الدولة وغالبية المجتمع، ويرى ضرورة طمس صورة المرأة، وفرض وصاية عليها.
الحياة ــ لندن
داود الشريان