ليس فقط تقصير الأمن فى التدخل مبكرا ولا هو عدد الضحيا على الرغم من ضخامته ولا أننا اكتشفنا فجأة فشل سياسة دفن الرءوس فى الرمال لإنكار مشاكل اجتماعية متجذرة.. إنما أكثر ما يثير الأسى ويهيج مشاعر الحزن إزاء أحداث أسوان المؤسفة هو اكتشافنا ببساطة أننا صرنا مجتمعا سريع الاشتعال.
على مدار ثلاثة أيام صوبت عدسات الكاميرات إلى أسوان، وتناولت الأزمة عشرات برامج التوك شو وهرع المحللون السياسيون والأمنيون من كل حدب وصوب للتعليق على فصول الأزمة المروعة، وتبادل اطراف الأزمة كيل الاتهامات بعضهم لبعض، ورغم ذلك كله أتشكك فى أن المواطن العادى المثقل بأعباء حياتية لا تنتهى قد استطاع تفسير مشهد الجثث المتراكبة المحملة على عربة (كارو) بغير تمييز بين جثة الهلالى أو النوبى.
الأزمة متعددة الأبعاد، واهم من يظن أنها قبلية عرقية فقط، وبغض النظر عن طابعها المحلى الذى يصعب تعميمه على الشعب المصرى كله، فنحن نحتاج بالفعل إلى عشرات الخبراء النفسيين يعكفون على دراسة ما طرأ على الشخصية المصرية من تغيرات مزعجة فى العقدين الأخيرين فقط، ثم ليفسروا لنا بعيدا عن العبارات المنمقة.. ما الذى حدث؟ وكيف أصيبت الشخصية المصرية بهذا السعار؟
ثم إذا فهمنا كيف يمكن أن يشيع بين المصريين اقتتال على هذه الدرجة من البشاعة فى واحدة من أهدأ بقاع المجتمع المصرى وبين أفراد مسالمين بطبعهم لم يعهد عنهم إثارة قلاقل، يمكننا بعدها ــ أو بالتوازى معها ــ أن نراجع أوجه القصور كلها.
أوجه القصور التى تبدأ من إهمال الصعيد بأسره وليس فقط أسوان وحرمانه من تواجد مؤسسى قوى يرتكز على المقدرات الاقتصادية والبشرية الهائلة التى يتمتع بها هذا الإقليم.. اعتماد الصعيد قاطرة للتنمية لم يعد جملة منمقة تردد صداها قاعات المؤتمرات.. بل أصبح قضية مصيرية لا تحتمل التأخير.