العلم هو عمل إبداعي مثله مثل الفن والأدب، ومثلما نجد سرقات أدبية وسرقات فنية توجد أيضاً سرقات علمية، والكثير منها للأسف.
قبل أن نتطرق إلى هذه الظاهرة المؤسفة ونحللها يجب أن نعرف معنى الغش في العلم.
هناك نوعان من الغش: سرقة مجهود غيرك ونسبته لنفسك وإعلان نتائج غير حقيقية لأبحاثك.
السرقات العلمية موجودة ومنتشرة في العالم كله لذلك أصبحت هناك أدوات تفحص البحث العلمي وتقارنه بالأبحاث المنشورة فعلاً في السنين السابقة وإذا وجد أكثر من عدد معين من السطور منقول يعتبر البحث مغشوشاً.
الكثير من الطلاب يقعون في هذه المشكلة إما عند عمد أو عن جهل ... فليس أسهل من نقل صفحة أو شكل أو حتى فصل كامل من بحث آخر أو رسالة أكاديمية وفي الكثير من الأحيان يكون الأستاذ المشرف بل ولجنة مناقشة الرسالة غير مطلعة على مصدر النقل فلا ينكشف الغش ويكثر هذا فى الدول النامية لأسباب إقتصادية أكثر منها أخلاقية، لأن في الدول النامية يكون الأستاذ الجامعي مكبل بمسؤوليات إدارية (عضو في كثير من اللجان وحضور الكثير من الإجتماعات إلخ) وتعليمية (تدريس عدد كبير من المواد لعدد كبير من الطلاب) ومالية (مرتبه قد لا يكفيه لإعالة عائلته فيضطر لقبول مسؤوليات إدارية أكثر أو العمل كاستشاري) كبيرة قد لا تجعله ملم بكل الأبحاث التي تنشر في تخصصه (حتى وإن ألم بأهمها)... أما الأسباب الأخلاقية فوجودها فى الدول المتقدمة مثلها مثل الدول النامية لأن الضعف البشري موجود ويظهر متى ضعفت الإرادة وسنحت الفرصة.
أنيل بوتي (Anil Potti) كان باحثاً فى جامعة ديوك (Duke University) وبدأ نجمه يسطع كباحث لامع عام 2006 حين نشر بحثاً بالإشتراك مع باحث آخر يشرح فيه طريقة تتنبأ بمدى تأثير العلاج الكيماوي على مرضى السرطان وبدأت الجامعة تطبيق هذه الطريقة على المرضى ... ولكن بعد مدة وجدت الجامعة أن أنيل قد كذب في سيرته الذاتية وصرح بحصولة على منحة لم يحصل عليها! هنا بدأت الجامعة تنظر بدقة إلى أرقام وأبحاث أنيل ووجدت أنه تلاعب بنتئج البحث ... ففصل من الجامعة وتم سحب أبحاثه وكانت بالعشرات من الدوريات العلمية.
عالم النفس الهولندي ديدرك ستابل (Diederik Stapel) من جامعة تيلبرج وُجد أن أغلب أبحاثه على مدار عشر سنوات كانت مفبركة وهذا لم يضره فقط ولكن ضر الكثير ممن حصلوا على الدكتوراه تحت إشرافه.
هناك الكثير و الكثير من الأبحاث المفبركة والأبحاث المسروقة.
إذا كنت تريد أن تقرأ بالتفصيل عن قصة إحدى أكبر فضائح الغش العلمي فعليك بالكتاب
(Plastic Fantastic: How the Biggest Fraud in Physics Shook the Scientific World)
أو "كيف هزت أكبر فضيحة في الفيزياء أركان العالم العلمي" للكاتب الصحفي Eugenie Samuel Reich.
السبب الأساسي لهذه الظاهرة هو بالإضافة إلى الضعف الأنساني الرغبة فى الترقي فى السلك الأكاديمي أو الفوز بجوائز علمية والشهرة التي تأتي معها... ولكن ضرر هذه الظاهرة فادح لأنه يجعل الناس تشك في أى بحث علمي جديد أو يجعل الناس تنخدع بأشباه العلماء وفى كلا الحالتين يفقد الناس الثقة في العلم والعلماء وهذا ينذر بإنهيار الأمم.
لا أعتقد أن إعطاء دروس أخلاقية للباحثين هو الحل لأن أولاً النصيحة المباشرة لا تُقبل في عصرنا هذا ولأن أغلب الباحثين يعلمون أن ما يفعلونه خطأ أخلاقي، وأقول أغلب لأنه في بعض الأحيان قد يقع الباحث في خطأ النقل أو الغش عن جهل (خاصة الطلبة) لذلك أول خطوة على طريق الحل هى توعية الباحثين وتعليمهم ما يعد غشاً (plagiarism) ... الخطوة الثانية هي إنشاء نظام يقلل من إحتمالات الغش مثل برامج الكمبيوتر التي تكشف النقل ومثل نظام محكم لتحكيم الأبحاث، دعني أعطيك مثالاً من تحكيم الأبحاث في تخصصي (معمار الحاسبات أو computer architecture) في تخصصي المؤتمرات أقوي من الدوريات (عكس أغلب التخصصات الأخرى ولهذا أسبابه ولكن ليس هنا مجال مناقشته) فماذا يحدث عند تحكيم الأبحاث التي تقدم للمؤتمرات؟ أولاً المحكم لا يعرف أسماء الباحثين (يجب أن تقدم البحث دون أسماء عليه وبدون ما يشير إلي شخصيتك أو شخصية الباحثين الآخرين معك في البحث) ولا أصحاب البحث لا يعرفون من حكم هذا البحث (يسمى ذلك double blind أو العمى المتبادل بترجمة حرفية مضحكة!) وحسب قوة المؤتمر كل بحث يجب أن يحكم من 3 إل 6 محكمين، هناك أشخاص لا يحق لهم تحكيم بحثك: مشرفك فى الدكتوراه والماجستير مدى الحياة و طلبتك فى الدكتوراه والماجستير مدى الحياة وأى باحث فى جامعتك أو معملك أو شركتك (نعم فالشركات الكبرى تنشر أبحاثاً أيضاً) وأى شخص قريباً لك عائلياً أى شخص نشرت معه أبحاث أو تعاونت معه فى بحث أو تقرير مشترك فى الخمس سنوات السابقة، نسيت أن أقول أن رئيس المؤتمر فى المؤتمرات القوية (وهذا غير المؤتمرات الكبرى!) غير مسموح له بالتحكيم أو بإرسال بحث ... نظام من هذا يقلل جداً من السرقات العلمية وأيضاً المحاباه (فهذا أيضاً نوع من الغش) ولكن لا شئ محكم تماماً لذلك فالخطوة الثالثة هى تغليظ عقوبة الغش.
إذا لنحذر الغش: سرقة ولو عدة أسطر من بحث آخر هو سرقة ... فبركة أبحاث علمية سرقة ... محاباة أحد الباحثين وقبول بحثه لو كانت لك السلطة سرقة ... وهذا ينطبق على الأبحاث العلمية وعلى أى عمل أدبي أو فني أو صحفي.