تحمست كثيرا للمبادرة التى أطلقتها مصر أخيرا تحت عنوان «العودة للجذور» بهدف إحياء الاحتفاء الشعبى بالجاليات اليونانية والقبرصية التى كانت تعيش فى مصر وسعدت أكثر بأن تكون مكتبة الإسكندرية بما لها من دلالة رمزية منصة لإطلاق المبادرة فى حضور الرئيس السيسى والرئيس اليونانى، بروكوبيس بافلوبولوس،، ورئيس جمهورية قبرص نيكوس أنستاسيادس، بالإضافة للمكاسب السياسية التى تقف وراء المبادرة وما سينتج عنها من آمال فى تنشيط السياحة يبقى السؤال حول مدى مساهمتها فى تنشيط الحوار بين ضفتى المتوسط.
وهذا الحوار ممتد فى تاريخنا الحديث والمعاصر وقد بدأ مع مشروع نهضة مصر مع محمد على وتواصل عبر أفكار ومساهمات امتدت من رفاعة الطهطاوى مرورا بسلامة موسى وطه حسين وشفيق غربال ولويس عوض وصبحى وحيدة وحتى حسين مؤنس وجمال حمدان وحسين فوزى وقد قمت برصده ضمن محاضرة قدمتها فى روما الأسبوع الماضى خلال انعقاد ملتقى أكاديمى حول دور الترجمة فى مد جسور الحوار بين ضفتى المتوسط نظمته الأكاديمية المصرية فى روما بإشراف مديرتها الدكتورة جيهان زكى، وبتنسيق الدكتورة نجلاء والى أستاذة الأدب الإيطالى والمترجمة المعروفة، وأكثر ما لفت النظر خلال نقاش بشأن مبادرة «العودة للجذور» أن إيطاليا مثل فرنسا لا تزال خارجها إلى الآن وهو أمر أثار دهشة الإيطاليين الذين حضروا الملتقى وهم من كبار المتخصصين فى الثقافة العربية أمثال الدكتور كلاوديو لوياكونو، أستاذ التاريخ الإسلامى ومدير مركز الدراسات الشرقية، وايزابيلا كاميرا دافليتو، أستاذة الأدب العربى بجامعة لاسابينزا وواحدة من رواد المستعربين ومترجمى الأدب العربى وخاصة أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ. ود.جوليانو لانشونى، أستاذ اللغة والأدب العربى بجامعة روما، والدكتور ميكالى بيرناردينى، رئيس قسم الدراسات الشرقية بجامعة نابولى.
ويتطلع أمثال هؤلاء العارفين بقدر مصر إلى تنمية الفرص التى تساهم فى تنشيط الحوار مع مثقفيها لذلك كان حماسهم للمبادرة كبيرة واسئلتهم عنها كثيرة وإذا كانت الدولة استعملت بكفاءة مكتبة الإسكندرية لإطلاق المبادرة من مصر فأولى بها أن تفكر فى اللعب بورقة الأكاديمية المصرية فى الخارج لتكون منصة لإطلاقها فى الغرب.
وما يدفعنى لهذا الاقتراح يتعلق بالمكانة الرمزية التى اكتسبتها الأكاديمية عبر عمرها الذى يمتد لتسعين عاما وهى على الرغم من تبعيتها إداريا لوزارة الثقافة إلا أنها تعمل بالتنسيق مع وزارات أخرى على رأسها وزارة الخارجية وبقواعد وأعراف دبلوماسية صرفة وبالتالى فهى واحدة من أدوات الدولة المصرية التى يشهد الجميع بالدور الذى لعبته فى تحسين صورة الدولة عقب ثورة 30 يونيو وساهمت بفعالية فى تفادى سلبيات أزمة ريجينى وفتحت مسارات للحوار بعيدا عن تعقيدات السياسة.
وتعطى الأكاديمية التى نشأت فكرة تأسيسها فى العام 1929 على يد الفنان المصرى راغب عياد مثالا للمبادرات التى يمكن أن تنشأ من أفراد فاعلين لدعم تمثيل الدولة خارجيا، فقد بادر عياد، بدافع من حماس الشباب والغيرة على الوطن لمراسلة الحكومة المصرية وتوجيه طلب لملك مصر بإنشاء أكاديمية مصرية للفنون، بهدف إتاحة فرصة الاحتكاك بالتجربة الفنية الإيطالية العريقة، ولا تزال تؤدى دورها بكفاءة فى هذا الشأن بفضل مديرتها النشطة جيهان زكى.
وأحسب أن مصر مطالبة من الآن بوضع برنامج متميز للاحتفال بتسعينية الأكاديمية بحضور رئيس الدولة أو رئيس الحكومة على أن يضع فى الاعتبار دورها الاستثنائى الذى يضاهى دور معهد العالم العربى فى باريس وينطلق من مفهوم أساسى فاعل فى العلاقات الدولية الآن هو «الدبلوماسية الثقافية» يؤدى دورا هاما فى فاعلية النشاط الدبلوماسى، وتعزيز «التبادل المتساوى المنفعة» بهدف تعزيز المعرفة بالآخر وهو أمر لا غنى عنه فى مبادرة ترفع شعار «العودة إلى الجذور».