هذا ما كان من نوستالجيا رمضان! (3) - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:54 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هذا ما كان من نوستالجيا رمضان! (3)

نشر فى : الجمعة 8 مايو 2020 - 9:45 م | آخر تحديث : الجمعة 8 مايو 2020 - 9:45 م

(1)
فى مساءات رمضان الزاهية العامرة المباركة، وعقب الإفطار، كانت أجمل وأحلى اللحظات تلك التى نتجمع فيها أنا وأصدقائى (كانوا صغارا وتفرقت بنا السبل، مساهم الله بالخير وطيب أوقاتهم)، ونقرر ماذا سنلعب وكيف، لو كنا سنلعب كرة قدم فإننا سنشكل فريقين؛ كل فريق مكون من ثلاثة (بحد أقصى!)، ونتخذ من مدخل أحد البيوت فى الشارع «مرمى لإحراز الأهداف»، ومنزلا آخر ليكون مرمى الفريق المنافس، ونبدأ اللعب بنظام «الفورة» من 6 (أى أن الفائز هو الذى يصل إلى إحراز ستة أهداف قبل الفريق المنافس).
كانت المنافسة عنيفة وصاخبة، وأصواتنا كانت تجلجل فى الشارع للدرجة التى تستدعى قيام الست أم فهيمة «مد الله فى عمرها وبارك فى صحتها ورحمها الله وأسكنها فسيح جناته لو كانت غادرت عالمنا بسلام»، بكل هدوء ونعومة وثقة بملء حلة مياه ضخمة و«دلقها» علينا بكامل ثيابنا. لم تكن تلك المشكلة، المشكلة فى أن المياه ستوحل الأرض وتختلط بالتراب، ولم يعد هناك لا ملعب ولا أرضية ولا يحزنون لإكمال المباراة!
(2)
وإذا قررنا لعب «الاستغماية» أو «كهربا» أو «ثبت» أو «صيادين السمك» أو أى لعبة أخرى، مما يستدعى مهارة خاصة فى الجرى والتسابق، فإننا كنا نتبارى فى اختيار الأماكن التى نختبئ فيها أو خلفها، وكان لى هنا قصة تستحق أن تروى!
فى واحدة من هذه المرات، أذكر أننى قد قررت الاختفاء عن الأنظار فى «عربية تروسيكل»، تخص عم أحمد جار جدتى فى الشارع، اختبأت فى العربة، وأخفيت جسمى الضئيل جدا (آنذاك) ووجهى ورأسى تحت الغطاء المشمع.
ظللت ساكنا لا أنبس ببنت شفة، ولا أهمس همسة ولا أتحرك، حتى فوجئت بصوت الموتور يدور والعربة تتحرك، وذهلت للدرجة التى لم يصدر فيها عنى حتى صوت استغاثة، وظللت هكذا لا أدرى ماذا أفعل ولا كيف أتصرف حتى عاد عم أحمد من مشواره بعد منتصف الليل بقليل، وركن عربته «التروسيكل» بوداعة ولطف فى مكانها المخصص أسفل المنزل، صعد الرجل إلى شقته دون أن يلقى بالا ولا يعلم أصلا بالمصيبة التى كانت تستكن أسفل المشمع فى عربته!
كانت ليلة عصيبة، فعلا، دخلت البيت وأنا خائف مذعور، أمى «وشها أصفر»، و«أبويا» عيناه تلمعان من الغضب والقلق، وسأكتفى بالوصول إلى هذه النقطة، فللخيال براحه الذى لا يحده شىء ولا تصور!
(3)
وأما التليفزيون! آه ما أدراكم ماذا كان يمثل التليفزيون لطفل مثلى آنذاك! فهذا هو رمضان وغير رمضان، كنت فى السادسة أو السابعة حينما كنت أقول لنفسى لا يمكن أن أعيش بدون التليفزيون! هل هناك أحد يمكن أن يمضى هكذا فى حياته بلا تليفزيون؟!
هل من الممكن أن يأتى رمضان من دون «فوازير» فطوطة وشريهان، و«ألف ليلة وليلة» بالألوان، وأفلام الأبيض والأسود، وخصوصا أفلام إسماعيل ياسين الحلوة «اللى بتموت من الضحك«؛ «ابن حميدو»، و«إسماعيل يس فى الأسطول» و«فى البوليس الحربى» و«فى الطيران»، و«المليونير الفقير» وفى متحف الشمع (أو ما يشبه هذا العنوان، لست متأكدا!)..
كانت مشاهدة أفلام إسماعيل ياسين، وأنا فى هذه السن، بهجة كبيرة ومتعة لا تعوض، كنت أضحك بهستيريا وفرح، ولا أمل أبدا من مشاهدة الفيلم مرة واثنتين وثلاثة! (أذكر أننى ومنذ أكثر من عشر سنوات، لم أعد أتابع التليفزيون بانتظام إطلاقا، ولا أشاهد إلا ما يعرض أمامى من باب المصادفة أو الجبر لأن أولادى يشاهدونه!)
(4)
أما أول اتصال مدهش بينى وبين الشاشة الفضية للدرجة التى تجعلنى أتسمر فى مكانى ولا يزعزعزنى عن مقامى شىء مهما كان، فهو فوازير رمضان المبهجة (لحقت فوايز الخاطبة للجميلة نيللى، ثم كانت فوازير شريهان البهجة الكاملة التى لا تشوبها شائبة باستعراضاتها الرائعة، وملابسها ذات الألوان الزاهية الجميلة) ، ثم أدمنت الدراما التاريخية التى اندثرت تقريبا وغابت غيابا شبه كلى عن شاشات الفضائيات والقنوات الخاصة والرسمية معا!
كتبت سابقا عن شغفى بالدراما التاريخية؛ لكن مشاهدتها فى رمضان لها مذاق آخر؛ تعلق قلبى بها وأدمنتها منذ شاهدت حلقات «لا إله إلا الله»، و«الكعبة المشرفة»، و«محمد رسول الله»، و«الوعد الحق»، وبسببها قرأت كل ما وقع تحت يدى بعد ذلك من «قصص الأنبياء» و«السيرة النبوية» و«سير الصحابة والتابعين»..
(ولنوستالجيا رمضان بقية) ..