كلام عن النقد والنقاد! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 4:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كلام عن النقد والنقاد!

نشر فى : الجمعة 8 يوليه 2016 - 9:05 م | آخر تحديث : الجمعة 8 يوليه 2016 - 9:05 م
لو أنك سألت أى مشتغل بالكتابة الإبداعية عن أزمته الحقيقية مع النقد سيجيبك وهو مغمض العينين مرتاح البال والضمير: لا يوجد نقد.. لا يوجد نقاد، النقد غائب.. وربما كانت هذه الإجابة هى التى تتردد بنصها وحرفها ومعناها منذ عقود بعيدة، وهى مظهر لإشكالية مزمنة أظنها ستظل قائمة بصورة أو أخرى ما ظل هذا الطوفان الذى لا يتوقف من الكتابات التى تظهر كل يوم وتضع على غلافها الخارجى كلمة (رواية) أو (قصة) أو (شعر).. إلخ

البعض يلخص الأزمة فى خلو الساحة النقدية من متابعة جادة ودءوبة للأعمال الأدبية التى يكاد لا ينقطع تدفقها ولا ظهورها (رواية وقصة قصيرة وشعرا)، فى حين ما زال هناك من يرى أن هناك نقادا يضطلعون بدورهم الأصيل فى متابعة الأعمال الإبداعية وممارسة دورهم المنوط بهم من الكشف عن جماليات الأعمال الأدبية وإلقاء الضوء عليها والتحريض على متعة تلقيها وإتاحتها لأكبر قدر ممكن من متذوقى الأدب ومتابعيه ومحبيه.

والحقيقة أن هذه الأزمة / الإشكالية تفاقمت فى السنوات العشر الأخيرة، وربما قبلها بزمن أيضا، مع التحولات المذهلة التى شهدها واقعنا المعاصر، المسألة لم تعد فقط كما من المستحيل تتتبعه ورصده حرفيا، بل صار لها جوانب وأبعاد متشابكة ومعقدة، فليس هناك سوق واحد أو مجال واحد يضم كل الكتابات الإبداعية التى يتحقق لها الحد الأدنى من شرط الفن وتحقق الإبداع، وليس هناك اتفاق أيضا على مفهوم حقيقى للنقد كما كان يعرفه أساتذتنا الكبار كتابا ومبدعين ونقادا أيضا.

فالنقد فى نظر البعض يعنى الإشادة والثناء بالعمل المنقود، والبعض الآخر يعتبر النقد جواز مرور العمل إلى الأضواء والشهرة والجوائز! فى ما يعتبره فريق ثالث مجرد مجاملة بمنطق «شيلنى وأشيلك، واللى هتكتبه النهارده هيترد لك بكره!».

والكاتب الجائع للشهرة، سواء كان شابا أم شيخا أم متوسطا فى السن لا يتوقع من الناقد إلا أن يقوم بتسويق أعماله، والكاتب الجائع للشهرة لا يعرف معنى النقد، ومن ثم فهو فى الحقيقة لا يكن له أى احترام مهما حاول أن يتملق الناقد أو يهادنه وأن يغريه بالكتابة عنه. مثل هذا الكاتب يكون أكثر صدقا مع نفسه عندما يردد هذه الجملة التى لا معنى لها «إن الناقد كاتب فاشل»، ورحم الله أستاذنا شكرى عياد حينما قال:

«وللنقد أشواك: أقلهاء إيذاء أن المنقود لن يرضى عنك أبدا. وإعجاب الإنسان بشعره (أو كتابته) وبولده ضعف بشرى لاحظه الجاحظ من قديم. فكيف يمكن أن يرضى عنك وأنت تنظر إلى هذا الشعر أو الكتابة بعين غير عينه؟» (من مقاله «أشواك النقد» منشور بكتابه «على هامش النقد»).

البعض يحكم علاقته بالنقد والنقاد بمدى قربه أو بعده عن الاتصال بهذا الناقد أو ذاك، فمن رآنى وكتب عنى وعن نصوصى فهو «الناقد» بألف لام التعريف! ومن لم يكتب بعد أو يتناول نصوصى فهو «الناقد الغائب»، «الناقد الكسول»، «الناقد المتقاعس».. إلخ الأوصاف التى تتردد فى هذا المجال دون تغيير أو إبداع!

الغريب أن بعض هؤلاء الكتاب الذين يمارسون الكتابة الإبداعية، ممن لا يكفون عن الصراخ وإلقاء الاتهامات يمينا ويسارا يتوقفون تماما عن هذا الصخب والضجيج المزعج بمجرد أن يكتب أحدهم (خاصة من الأسماء المعروفة) مقالا عن كتابٍ من كتبه، أو روايةٍ من رواياته. حينها يتحول هذا الناقد السلطوى أو الناقد الممالئ أو الناقد «المتناقد» (بحسب ما سمعت من أحدهم! ولا أعلم ماذا يقصد حتى الآن!) إلى الناقد الكبير والمرجعى والمهم والقدير.. إلخ.. وفورا يتم إسدال الستار على كل ما تم اتهامه به من قبل أو الهجوم عليه مسبقا!

(لا تنس ــ عزيزى القارئ ــ مرة أخرى أن وصف المعروفة أو المشهورة هذه يحدده إلى مدى بعيد مدى قرب هذا الناقد من المؤسسة الثقافية الرسمية!).

والله رأيت هذا بعينى، وشهدته مرارا، قبل أن يكتب أحدهم (ناقد أو من وصف بهذا الوصف) عن نص كاتب من الكتاب، قال فيه هذا الكاتب عن هذا الناقد ما قاله مالك فى الخمر! وبعد أن يكتب الناقد (إذا كتب) يُنعت بكل الأوصاف التى تضاد بل تناقض ما قاله عنه الكاتب صاحب «النص المنقود» قبل ذلك! وهذه من عجائب الكتابة والكتاب فى زمننا هذا.. الشىء ونقيضه، الفعل وعكسه، ولا بأس أن يتم كل هذا قبل الحصول على جوائز، وبعده أيضا!

لا يعنى هذا أن الذين يشتغلون بالنقد أو يمارسونه أو يتصلون به (ولو من بعيد) مغبونون مظلومون مفترى عليهم ولا حول لهم ولا قوة! ليس صحيحا، فالشكوى أغلب على سلوكهم من شغلهم والندب على ما كان وما هو واقع صار لسان حال الأغلبية من النقاد (الذين يعتبرهم البعض غير موجودين بالأساس) أما الكسل فهو السمة الغالبة وإنى لأتعجب عندما أعرف أن فلانا يشتغل بالنقد أو يزعم أن له صلة ما به، وآخر نص قرأه واشتغل عليه يعود إلى جيل الستينيات وربما قبل هذا!

فى ظنى أن الذين يشتغلون بحرفة النقد أو يمارسون الكتابة النقدية غالبا تكون نسبة كبيرة منهم ممن درسوا النقد فى الجامعة ولهم اتصال بالحياة الأكاديمية، تدريسا وكتابة، وهؤلاء ليسوا خليطا واحدا، بل يمكن تقسيمهم شكليا إلى ثلاث فئات؛ الأولى ما تبقى من جيل الأساتذة والنقاد الكبار المحترفين، وهؤلاء عددهم قليل جدا تجاوزوا الستين أو السبعين واكتسبوا شهرة عريضة وصاروا سلطة نقدية حقيقية مؤثرة؛ وإن كان هذا التأثير لا يتجاوز حدود النخب ولا يجاوز خطوط المجال الضيق والدوائر الأضيق التى تضم ما اصطلح على تسميته بـ«نخبة الكتاب والمثقفين»، وهؤلاء النقاد فقدوا أهم خاصية كانت تميز الجيل أو الأجيال الأسبق منهم وهى «التواصل الجماهيرى» و«التأثير الجماهيرى» الذى كان متحققا للويس عوض مثلا، أو محمد مندور، أو شكرى عياد، أو رجاء النقاش.

الفئة الثانية جيل الوسط أو ما يسمى بجيل الوسط من النقاد وهم التلاميذ المباشرون للفئة الأولى، ومنهم نقاد حقيقيون وجادون ويمارسون فعل الكتابة النقدية بإبداع حقيقى، لكن تأثيرهم محدود بحدود الدوائر التى يتعاملون فى إطارها والمنافذ التى تتاح لهم كتابة ونشرا، وهم فى العموم «قلة»، أما غالبية هذه الفئة فشكواهم تسبق إنتاجهم، وضجيجهم مزعج والنقد الذى يمكن أن يوجه لهم أكبر بكثير جدا من النقد الذى يمكن أن يصدر عنهم!

وأخيرا الفئة الثالثة وهم الذين لم يتجاوزوا الثلاثين أو الأربعين من أعمارهم، اكتسبوا اسم أو لقب «ناقد» بالقوة لا بالفعل، بمعنى أنهم الذين قرروا اكتساب هذه الصفة بالاقتحام لا بالتكوين الجاد العميق، وبالدعاية والإعلان لا بالفهم والاستيعاب، وبالعلاقات العامة والاتصال بدوائر المؤسسة أكثر من المجهود الحقيقى الذى ينبغى أن يبذل فى قراءة النصوص وتأملها وتذوقها أولا ثم نقدها ثانيا!

وللحديث بقية..