قضية فلسطينية أم صراع عربى ــ صهيونى؟ - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قضية فلسطينية أم صراع عربى ــ صهيونى؟

نشر فى : الخميس 10 أبريل 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 10 أبريل 2014 - 8:00 ص

ياللحسرة، أن يضطر الإنسان إلى التذكير بالبديهيات. مناسبة ذلك خطابات وكتابات العبث بموضوع الصّراع الحضارى ما بين المشروع الصهيونى من جهة والمشروع النهضوى لأمَّة العرب من جهة أخرى.

ما تريد تلك الخطابات والكتابات قوله، تصريحا أو تلميحا، هو أن موضوع فلسطين ليس أكثر من احتلال استيطانى صهيونى لمعظم فلسطين ومن تشريد لشعبها. وبالتالى فإن الأمر يجب أن يترك التعامل معه للفلسطينيين، وأنّ مسئولية أنظمة وشعوب بقية الأقطار العربية هو تقديم المساعدة السياسية واللوجيستية الممكنة للشعب الفلسطينى. أما التعامل مع سلطات الكيان الصهيونى فى فلسطين المحتلة فهو أمر آخر إذ يجب أن يخضع لنظام التعامل بين الدول مع بعضها البعض بما فى ذلك تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التى يمارسها البعض علنا أو خفية.

هكذا تشوَّه الموضوع بكامله وضاع أصله ونسيت جذوره كصراع وجودى بين فكر وأطماع وممارسات صهيونية استعمارية فاشستية توسعية وبين تاريخ وحاضر ومستقبل وحقوق وأمن واستقلال أمة العرب بجميع أقطارها وشعوبها، بما فيها الوطن الفلسطينى وشعبه.

هذه النظرة التبسيطية المتناسية للكتابات والأقوال والأفعال الصهيونية عبر أكثر من قرن هى التى قادت الكثير من أنظمة الحكم العربية إلى أشكال من التطبيع مع الكيان الصهيونى، خصوصا أن المقاطعة غير مقبولة أمريكيا وأوروبيا، وإلى أقوال البعض دون حياء بأن مسألة حسم التجاذبات السنية – الشيعية هى أهم وأخطر من الصّراع العربى – الصهيونى، وإلى تململ البعض من الموضوع الفلسطينى برمتّه والمطالبة بإنهائه بأى ثمن وبأية تنازلات من أجل أن تتفرّغ الأمة لقضاياها الأهم وتتصالح مع العالم، وهى تمهيد لقطرنة (من القطر) كل القضايا العربية وإزالة الصّفة والمكانة القومية عن أى منها.

•••

السؤال هو: هل حقا أن المشروع الأيديولوجى الصهيونى سيقف عند حدود فلسطين والجولان وشبعا المحتلّين أم أن الموضوع هو أكبر وأخطر وأشمل من ذلك بكثير؟ فهل قضيتنا مع الصهيونية هى قضية فلسطينية وحدودية مع بعض الأقطار أم قضية عربية مصيرية كبرى؟

الجواب على ذلك موجود إلى حدّ كبير فى الفهم الصهيونى لاستراتيجية التطبيع مع العرب وفى الشروط المذهلة المجنونة التى يطرحها الصهاينة كشروط للسلام النهائى مع أمة العرب. إنها استراتيجية وشروط لا تقف عند حدود فلسطين وإنّما تمتدٌّ إلى الوجود العربى كلّه فى وطنه الكبير.

•••

لقد كتب الكثير عن الفهم الصهيونى النازى الاستعلائى النّهم لموضوع التطبيع مع العرب (نعم، العرب وليس الفلسطينيين). وهو موضوع واسع ومتشعّب وملىء بالمخاطر ولذا سنذكر هنا بإيجاز بعضا من النقاط ليتبيّن للمتعبين من الموضوع الفلسطينى فداحة خطأ اعتقادهم بأنهم يستطيعون العيش مستقبلا بدون حمل مسئوليات التواجد الصهيونى فى فلسطين وأية بقعة عربية يبتلعها.

• الهدف الصهيونى الرئيسى ووسيلته الشيطانية: ينبغى أيها الإسرائيليون ألا تلينوا أبدا عندما تقتلون أعداءكم، ينبغى ألاُ تأخذكم بهم رحمة حتى ندمُّر ما يسمّى بالثقافة العربية (ولم يقل الفلسطينية) التى سنبنى على أنقاضها حضارتنا «إنه إذن صراع حضارى وجودى مع العرب وليس مع الفلسطينيين العرب لوحدهم).

• الفهم الصهيونى للسلام الكامل يعنى التطبيع الكامل مع كل العرب، وبشرط حسب الشروط الصهيونية التى تشمل تغيير نمط الفكر السياسى العربى ونمط الفكـــر الإسلامى بشأن «إسرائيل»، وتشمل القبول الكامل للأيديولوجية التى قامت عليها «إسرائيل» من مثل أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب أو الأساطير الدينية اليهودية والتزويرات التاريخية بشأن الحق التوراتى والتاريخى لعودة اليهود لأرضهم لإقامة الدولة اليهودية، وتشمل مطالب أمنية من مثل حدود يمكن الدفاع عنها وأرض عربية مفرغة من أى سلاح استراتيجى بما فيه السلاح النووى دون المساس بحق «إسرائيل» فى أن تكون ترسانة لمثل ذلك السلاح، وتشمل أن يكون الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين بعد تفريغ فلسطين التاريخية من شعبها العربى، وتشمل حق تقاسم المياه مع الأردن ولبنان وسوريا ومصر، وتشمل منع أى مقاطعة من أى نوع كان للبضائع الصهيونية، أى التدفق الحر للسلع وفتح الأسواق، وتشمل إنشاء شبكة سكة حديد لتربط الكيان الصهيونى مع كل الأرض العربية، وتشمل إعلاما عربيا لا يتعرّض للأيديولوجية والممارسات الصهيونية بالنقد أو الرفض أو التجريح، وتشمل أن تكون «إسرائيل» مصدر العلم والتكنولوجيا والإنتاج وأن تكون أرض العرب مصدر العمالة والتمويل والاستهلاك.

•••

لمن يريد من العرب، وليس الفلسطينيين فقط، أن يتعرُّف على تفاصيل أكثر، يشيب لها الولدان من قوة عنصريتها ووقاحتها وانتهازيتها، بشأن الفهم الصهيونى للتطبيع مع العرب، هناك عدة كتب ومقالات كثيرة للباحث محسن عوض يمكن الرجوع إليها.

عند ذاك سيتبيَّن لكل عربى أنه لا توجد قضية فلسطينية – صهيونية قائمة بذاتها، وإنما توجد قضية صراع وجودى حضارى عربى – صهيونى، وأن القضية الفلسطينية هى جزء من ذلك الصٍّراع الممتد فى الأفق البعيد بين أمة العرب وبين جحافل الغزاة الصهاينة الطامعين فى نهب ثروات كل الأرض العربية وإخضاع كل الأمة.

مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيونى هى قضية العرب، كل العرب، حكومات وشعوبا ومؤسسات مدنية وهى المدخل لدحر المشروع الصهيونى.

مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات