نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة «مروة نظير»، جاء فيه ما يلى..
اكتسبت النسخة الأخيرة من قمة العشرين التى عقدت بمدينة أوساكا اليابانية، فى الفترة من 28 إلى 29 يونيو 2019، أهمية خاصة، بسبب الأجواء المتوترة التى عقدت فى سياقها القمة، مع تصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران، والحرب التجارية بين بكين وواشنطن، والخلافات الأمريكية ــ التركية بعد عقد أنقرة صفقة مع روسيا لشراء «إس ــ 400»، فضلا عن الخلافات المتعلقة بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وفى هذا السياق، عقدت الدورة 14 من قمة مجموعة العشرين التى تعد محفلا دوليا مهما، أنشئ فى عام 1999 على خلفية الأزمات المالية العالمية لبحث العديد من الملفات للمجتمع الدولى بأسره، وذلك عبر اجتماع قادة القوى الاقتصادية الكبرى فى العالم، مع بعض قادة الدول الأخرى الذين تتم دعوتهم لحضور القمة، فضلا عن ممثلى عدد من المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بتلك الملفات (خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين). وربما تتبدى أهمية هذه الفعالية بالنظر إلى قائمة الدول المنضمة إليها، حيث تضم 19 دولة، بالإضافة لرئاسة الاتحاد الأوروبى، ليصبح عدد الأعضاء 20.
سياقات متوترة
انخفض سقف توقعات المراقبين من النتائج التى يمكن أن تتمخض عنها قمة أوساكا بسبب حالة الاحتقان والتوتر التى سادت الأجواء بين الفاعلين الرئيسيين قبيل انعقاد القمة، على نحو قلل من احتمالات التوصل إلى تفاهمات بشأن هذه القضايا الخلافية، التى انعكست فى العديد من الملامح.
فعلى الصعيد السياسى مثلا، تأتى الخلافات المتعلقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى لتضع العديد من علامات الاستفهام حول قدرة الاتحاد على تنسيق تفاعلاته على الساحة العالمية. ومن ناحية أخرى، هناك تنامى حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وعدم القدرة على التوصل لاتفاق بين طهران وواشنطن يكون بديلا للاتفاق النووى الإيرانى بعدما اعتبرت إدارة الرئيس الأمريكى ترامب أن الاتفاق ملىء بالثغرات، ويسمح لإيران بأن تحصل على أموال وموارد لأنشطتها الإرهابية فى منطقة الشرق الأوسط، ومن ناحية ثالثة، يتأجج التوتر بين واشنطن وتركيا (البلد العضو فى حلف الناتو)، بسبب نظام الدفاع الصاروخى الروسى «إس ــ 400» الذى اشترته أنقرة من موسكو؛ حيث ترى واشنطن أن نظام الدفاع الصاروخى الروسى غير متوافق مع شبكة دفاع حلف شمال الأطلسى، ويشكل تهديدا لطائرات إف ــ 35 التى تعتزم تركيا شراؤها أيضا، وتتخوف أنقرة من إمكانية أن تفرض واشنطن عليها عقوبات.
أما على الجانب الاقتصادى، فكانت هناك العديد من الملفات الشائكة التى تخص النمو الاقتصادى العالمى وتخص آلية التجارة العالمية، كان من أهمها الحرب التجارية بين بكين وواشنطن والتى تبلورت مع إخفاق جهود البلدين فى التوصل إلى اتفاق تجارى فى مايو الماضى، الأمر الذى دفع الخبراء لاستبعاد إمكانية وصول الدولتين لاتفاق خلال قمة العشرين، لا سيما فى ظل تصريحات ترامب قبل وصوله إلى اليابان، التى أكد فيها أن اقتصاد الصين ينهار، وقد أثرت هذه الحرب التجارية على الأسواق العالمية؛ حيث يرى العديد من المحللين أنها تواجه شبح كساد عالمى جديد، وربما هذا ما دفع «كريستين لاجارد» مدير عام صندوق النقد الدولى للتحذير من أن الاقتصاد العالمى يواجه «موقفا صعبا» بسبب النزاعات التجارية، وحثت صناع القرار فى مجموعة العشرين على خفض الرسوم الجمركية والعقبات الأخرى أمام التجارة.
قضايا عالقة
لم تقتصر فاعليات قمة مجموعة العشرين على اللقاءات الجماعية بين الأعضاء والضيوف المدعوين، بل شملت كذلك العديد من اللقاءات الثنائية المهمة التى لعبت دورا مهما فى التمهيد لاتفاقات وتفاهمات لاحقة، ومن الجدير بالذكر أن جدول أعمال القمة شمل عددا من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كان من بينها الطاقة والبيئة والمناخ والاقتصاد الرقمى والتجارة والزراعة والرعاية الصحية والتعليم والعمل، ويمكن من خلال متابعة مجريات القمة والقضايا التى طرحت على جدول أعمال القمة القول إن هناك مجموعة من القضايا ظلت عالقة ولاتزال تبحث عن حل على الرغم من مناقشتها خلال فاعليات قمة أوساكا.
ومن أهم تلك القضايا، تلك التى تتميز بطابع اقتصادى عالمى، لا سيما التنمية المستدامة للاقتصاد العالمى، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد من مخاطر التقلبات الاقتصادية، خاصة وأن مجموعة العشرين حددت عددا من التحديات الرئيسية هى: العولمة، وظاهرة تقدم السكان فى السن، والتحولات التكنولوجية السريعة وما يرتبط بها من تغيرات، فضلا عن الحاجة لتنسيق المواقف بشأن الضرائب التى يتم فرضها على الخدمات والتجارة العالمية، وذلك حسبما تمت الإشارة إليه خلال القمة.
وعلى الرغم من قيام مجموعة العشرين بالتحذير من تنامى المخاطر التى تحيط بالاقتصاد العالمى والاعتراف بأن النمو الاقتصادى العالمى لا يزال ضعيفا، وأن الاحتمالات تتجه للأسوأ مع تصاعد التوترات التجارية والجيوسياسية، فإن القمة تجنبت الإشارة لإدانة الحماية التجارية، واكتفت بالدعوة لمناخ تجارى حر ونزيه، وهو ما يعد طبيعيا بعد محادثات وصفها عدد من الأعضاء فى المجموعة بأنها معقدة وصعبة، وحاولت اليابان التى تستضيف الاجتماع إيجاد أرضية مشتركة بين الولايات المتحدة التى تعارض التنديد بالحماية التجارية والدول الأخرى التى تسعى للتحذير من تداعياتها وما تسببه من مخاطر للاقتصاد العالمى.
كما كان الملف البيئى كذلك من القضايا التى ظلت عالقة بعد قمة أوساكا، فعلى الرغم من أن دول مجموعة العشرين أكدت التزامها بالتطبيق الكامل للاتفاق الموقع عام 2015 فى باريس لمكافحة الاحتباس الحرارى، إلا أنهم لم يتمكنوا من إيجاد صيغة توافقية مع واشنطن التى انسحبت منه عام 2017، لتظل صيغة 19+1 هى الحاكمة لموقف المجموعة من اتفاق باريس حول المناخ، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق جاء بعد مفاوضات طويلة وشاقة بسبب محاولة واشنطن عرقلة الإعلان الذى اتخذ شكلا مماثلا لإعلانى القمتين السابقتين.
وفى السياق ذاته، تندرج العلاقات الأمريكية ــ التركية على قائمة القضايا التى لم تفلح قمة أوساكا فى إيجاد حل لها، فرغم اللقاء الذى جمع الرئيسين الأمريكى «ترامب» والتركى «أردوغان»، لم يتم إنهاء الخلاف، إذ أعلن الرئيس التركى «أردوغان» أن بلاده لن تتراجع عن صفقة الأسلحة المثيرة للجدل، وتتوقع التسليم فى التوقيت المتفق عليه.
نجاحات محدودة
من ناحية ثانية، تمخضت قمة أوساكا عن عدد من القضايا التى شهدت انفراجات غير متوقعة، وإن كانت محدودة الطابع، كان من أبرزها الاتفاق الذى توصلت عبره الولايات المتحدة والصين لاستئناف المحادثات التجارية بينهما، وذلك بعد اجتماع ثنائى بين الرئيسين الأمريكى والصينى وصف بأنه جاء كأفضل ما يمكن، حيث اتفق الجانبان الأمريكى والصينى على عدم زيادة التعريفات الجمركية على أى من سلع البلدين فى الوقت الحالى. كما أشار «ترامب» إلى أنه سوف يلغى الحظر المفروض على بيع المعدات الأمريكية لشركة «هواوى» الصينية.
ونجحت القمة كذلك فى الحفاظ على متوسط سعر للبترول، وهو الطلب الذى نادت به روسيا قبل القمة، فكما توقع «ألكسندر نوفاك» (وزير الطاقة الروسى) ساهمت اجتماعات قمة العشرين فى توفير مزيد من الدعم لمنظمة أوبك فيما يتعلق بتمديد اتفاق خفض الإنتاج الذى أعلنته أوبك وحلفاؤها منذ مطلع العام الحالى وحتى نهاية يونيو، وذلك بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، وذلك بعد التراجع الحاد فى الأسعار فى نهاية عام 2018، ودعمت قمة أوساكا هذا التوجه انطلاقا من أن سوق النفط يتسم بقدر كبير من عدم اليقين، وإن كان يبدو متوازنا من ناحية العرض والطلب.
وفى الملف السورى، بدا التعاون والتنسيق الأمريكى الروسى أكثر وضوحا من أى وقت مضى، وفقا لما أعلنه الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، ففى هذا الإطار، أشار «بوتين» إلى أنه تم إبلاغ نظيره الأمريكى بالإجراءات التى اتخذتها بلاده فى سوريا، مؤكدا أن البلدين على اتصال جيد فيما يتعلق بسوريا.
ختاما، يمكن القول إن نتائج قمة أوساكا أصابت الكثير من المعنيين بالشأن الدولى بالإحباط حول مستقبل مجوعة العشرين كآلية هدفها تقديم حلول للأزمات العالمية، لا سيما مع الإخفاق فى التوصل لاتفاق حول قضايا التجارة والمناخ والسياسات الحمائية، على نحو دفع الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» للقول إن مجموعة العشرين باتت اليوم أقرب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التى تسمح لصانعى القرار بالالتقاء فى اجتماعات ثنائية وتبادل وجهات النظر حول الملفات المهمة.
ومن الجدير بالذكر أنه تقرر أن تستضيف المملكة العربية السعودية الدورة الخامسة عشرة لاجتماعات قمة قادة مجموعة العشرين خلال نوفمبر 2020، على أمل أن تصبح الدورات القادمة أكثر فعالية وتأثيرا.
النص الأصلى
http://bit.ly/32r6v4u