من كلمات الشيخ الشعراوى الأثيرة عن النقاب قوله «لا يفرض ولا يرفض».. وأنا أعتقد بعد قراءات متعددة وعميقة فى الفقه الإسلامى أن النقاب ليس فرضا.. وأن الحجاب الذى فرضه الله على النساء هو الذى يغطى جسم المرأة كله دون الوجه والكفين.. وأن النقاب يمكن أن يكون مستحبا أو مندوبا إليه فى بعض الحالات.. وهو من باب الحرية الشخصية للمرأة.
كما أعتقد أن النقاب يضعف التواصل بين المدرسة وتلاميذها وأستاذة الجامعة وطلابها، ولكن قرار رئيس جامعة القاهرة بمنع أساتذة الجامعة المنتقبات من التدريس هو قرار يفرد خارج سرب أولويات ومصالح الجامعة الكبرى، ويهمل المشكلات الحقيقية للتعليم الجامعى، ويدفن رأسه كالنعامة تاركا مآسى التعليم الجامعى المصرى.
لقد نسى هؤلاء أن جامعة القاهرة وكل الجامعات المصرية خارج التصنيف العالمى لأفضل 500 جامعة منذ سنوات طويلة.. فى حين أنه لا يمر عام إلا وتدخل 7 جامعات إسرائيلية وجنوب أفريقيا ذلك التصنيف.. فهل منع المنتقبات من التدريس سيعيد جامعة القاهرة للتصنيف العالمى؟!
ونسى هؤلاء أنه ليس هناك أستاذ جامعى واحد فى الجامعات المصرية حصل على نوبل.. أما د.زويل فحصل عليها نتيجة أبحاثه وعمله فى الجامعات الأمريكية.. ولو كان فى جامعاتنا لفشل فشلاً ذريعاً، أما اليابان التى بدأت النهضة معنا فلا تكاد تمر عدة أعوام حتى يحصل على نوبل بعض أساتذتها الجامعيين، فهل منع المنتقبات سيجعل جائزة نوبل تهل علينا وتنزل على أساتذتنا؟!
ونسى هؤلاء أن معظم الرسائل العلمية فى جامعاتنا الآن من أضعف الرسائل فى العالم.. وبعض شهادات الدكتوراه والماجستير تباع لبعض الخليجيين جهارا نهارا دون نكير.. وبعض هذه الرسائل يكتبها غيرهم والمشرف يعلم ذلك ويرضى بنصيبه من الكعكة.
وهل نسوا أن معظم الرسائل الجامعية لا علاقة لها بالواقع ولا تحل أى مشكلة من مشاكل مصر وإذا كانت جيدة فهى مهملة فى الأدراج.
إن قرار منع المنتقبات نوع من الغزل السياسى ودغدغة العواطف ومحاولة للاسترضاء السياسى دون اقتحام حقيقى للمشكلات.. ولو كان صاحبه يريد الإصلاح الجامعى لألغى التعليم المفتوح الذى يعد رشوة مقنعة للجامعة مقابل الشهادة وإعادة لإنتاج متخلفين وجهلة.
ألا يعلم صاحب هذا القرار أن بعض خريجى الجامعة يكتبون لكن هكذا«لا كن»؟! وبعضهم لا يستطيع كتابة رسالة لأمه وهو فى الغربة.
ألا يعلم أن الدروس الخصوصية تجتاح جامعته وكل الجامعات بدءا من كلية الطب والصيدلة والهندسة وانتهاء بالتجارة والحقوق؟
ألا يعلم أن التوريث يضرب جامعته وكل الجامعات فى مقتل؟
ألا يدرك تماما أن الجامعات تدار بالريموت كنترول؟
ألا يدرك الفرق بين مستوى طالب الطب فى جامعتنا وخريج طب لندن الذى يتدرب على جهاز رسم القلب بالمجهود وكل الأجهزة الحديثة فى سنواته الأولى؟
ألا يدرك أن كل المواد الخام فى معامل كلية العلوم مخففة بدرجة فظيعة بحيث لا تثمر نتائج التجربة العلمية؟ وأن معظم الأجهزة العلمية فى الطب والهندسة والعلوم لا تصلح للقرن الحادى والعشرين ! وتصلح بالكاد للسبعينيات من القرن الماضى؟
رئيس الجامعة يظن أن منع عشر أستاذات من ارتداء النقاب فى جامعة بها قرابة 15 ألف أستاذ وعضو هيئة تدريس ستحل مشاكل الجامعة.. هب أنهم تركوا الجامعة كلها فهل سينصلح حال الجامعات؟!
أليست المدن الجامعية الآن لا يصلح أكثرها للسكنى والاستذكار حيث يسكن فى الغرفة 4 طلبة وأحيانا 8 طالبات وكانت تسع من قبل اثنين، حتى قاعات الطعام والاحتفالات فى المدن الجامعية تحولت إلى سكن مكتظ للطلبة وأشبه بعنابر السجن.
إن المشكلة الحقيقية ليست فى المنتقبات ولكن فى ميزانية الجامعات، ولك أن تقارن ميزانية البحث العلمى عندنا وعند إسرائيل التى تبلغ فيها ميزانية البحث العلمى 6%.
ولك أن تتأمل أى طالب يدرس مثلاً الإدارة فى أى كلية تجارة فى جامعاتنا فتجده لا يفقه شيئا فى العلم ولا يحب الإدارة.. ولكنه تعود على قراءة عدة مذكرات سطحية آخر العام مع الدروس الخصوصية ليمتحن وينجح ثم يلقى بالمذكرات فى القمامة.
ولك أن تقارن هذا الطالب الذى ينتمى لدفعة فيها 7 آلاف طالب وكلية تعج بثمانين ألف طالب بطلبة جامعة مثل هارفارد أو جامعات الخليج أو جنوب إفريقيا أو ماليزيا.. وتقارن عدد الأبحاث والدراسات والتجارب والخبرات والتدريب فى المؤسسات الذى ناله الطالب هناك بالمقارنة بما عندنا.
إن مشكلة تكدس أعداد الطلاب مع بقاء طرق التدريس العقيمة وعدم حضور بعض الأساتذة وإنابتهم للمعيدين ليقوموا بدورهم من أهم المشكلات الجامعية.
أليس هناك طلبة فى بعض الجامعات لا يجدون مقعدا يجلسون عليه فى المحاضرات.. ولو حضر كل الطلبة فى الكليات النظرية ما وجدوا أى مكان فى المدرج ولكن ربع الطلبة فقط يحضرون فى معظم الكليات النظرية.
محنة التعليم فى جامعاتنا أكبر من النقاب الذى يقفز على ظهره البعض لأغراض خاصة دون أن يسألوا سؤالاً مهماً؟ وماذا عن الذين حصلوا على الدكتوراه والماجستير فى مصر ولا يجدون عملاً وبعضهم تقدم لمهنة مدرس ابتدائى مساعد، فى حين أن مدير المدرسة حاصل على دبلوم متوسط وأكثرهم رفض طلبه.
ألم يسمع رئيس الجامعة الذى يتحدث عن تواصل المنتقبة مع الطلبة عن شعارات مظاهرات الحاصلين على الدكتوراه والماجستير «ابن الباشا فى التكييف والدكاترة على الرصيف».
ألم يعرف أن مصر استوردت مع بلاد العرب الأخرى الراقصات الروسيات بعد انهيار الاتحاد السوفييتى فى حين أن إسرائيل أخذت كل علمائه العظام فى الكيمياء والفيزياء والذرة والتكنولوجيا وغيرها.. مع أن بعض علماء الاتحاد السوفييتى من الولايات الإسلامية كانوا يتمنون أن يخدموا بلاد العرب والمسلمين بأى ثمن.. ولكن بلادنا زهدت فيهم.
لقد كاد التعليم العام والجامعى يموت فى مصر.. واسألوا معظم الطلبة والأساتذة المحبطين، الذين يريدون الهجرة إلى أى بلد آخر.. هدى الله الجميع لمعرفة أولويات إصلاح هذا الوطن.