أكثر من 250 شركة، ونحو 2000 حرفى من نجارين وبنائين وفنانى الزجاج الملون، ساهموا فى ترميم كاتدرائية نوتردام فى باريس. أكثر من أربعين من قادة الدول والحكومات والملوك والأمراء شاركوا فى مراسم إعادة افتتاحها بعد الحريق الذى تعرضت له قبل خمس سنوات. لم يكن حفل إعادة افتتاح الكنيسة حدثا فرنسيا فحسب، بل غدا حدثا أمميا. أحد المؤرخين، وفى إطار إشادته بما جرى، قال إن «نوتردام هى أكثر من مجرد نصب تذكارى فرنسى، إنها رمز عالمى يبث الطمأنينة فى عالم دائم التغير».
جميل هذا الاحتفاء بصون رمز تراثى عالمى يمتد عمره إلى نحو 860 عاما، وليت هذا الاهتمام يعمّ ليشمل آثارا كثيرة فى دول مختلفة، بما فيها فى بلداننا العربية، كالعراق وسوريا وغيرهما، تعرضت للاستهداف والتدمير من كارهى الحضارة أو من لصوص محترفين.
خضعت الكاتدرائية لعملية ترميم دقيقة تضمنت إعادة بناء البرج والأقبية المضلعة وترميم التماثيل والزخارف. وأصبحت الأحجار البيضاء والزخارف الذهبية أكثر تألقا من أى وقت مضى، وبلغت كلفة الترميم نحو 700 مليون يورو، تم جمعها عبر تبرعات تجاوزت 840 مليون يورو من جميع أنحاء العالم. ومن المتوقع أن تستقبل الكاتدرائية نحو 15 مليون زائر سنويا بدءا من العام المقبل.
لعلنا نتذكر اليوم، فى ظل جو البهجة بالانتهاء من ترميم الكاتدرائية وإعادة فتحها للجمهور، حال الحزن التى أصابت العالم كله جرّاء الحريق الذى تعرضت له. الحالان، الحزن السابق جراء الحريق والفرح الحالى بترميم الكاتدرائية وجعلها فى حال أجمل مما كانت عليه، علامة على أن البشر، على ما بينهم من اختلافات وصراعات، يشعرون فى قرارات أنفسهم، حتى وإن كان ذلك بنسبٍ متفاوتة، أنهم أبناء حضارة إنسانية واحدة أو مشتركة، رغم اختلاف اللغات والثقافات والديانات.
الكثير من البشر، وربما غالبيتهم، سمعوا أول مرة عن هذه الكاتدرائية من خلال الرواية الشهيرة لواحدٍ من أهم أدباء فرنسا والعالم: فيكتور هوجو، رواية أحدب نوتردام، التى تعدّ من أهم الروايات التى خلّدتها السينما، فمن لم يقرأوا الرواية شاهدوا حكايتها على الشاشات عبر واحد من الأفلام المتعددة التى استوحت أحداثها، وكانت المرة الأولى التى قدمت فيها فى السينما عام 1923 على يدى والاس وورسلى ولون شانى، ليتعاقب بذلك ظهورها على أيدى مخرجين آخرين، ويذكر أن المسلسل السورى «جواد الليل» مستوحى أيضا من أحداث الرواية.
أهمية «أحدب نوتردام» لا تكمن فقط فى اسمها الذى حمل اسم الكاتدرائية، وإنما أيضا فى قصة الحب بين الأحدب وإزميرالدا، التى عكست توق البشر إلى دفء الجمال الإنسانى، وما للعاطفة من دور فى الرقى بحسهم وعطفهم.
حسن مدن
جريدة الخليج الإماراتية