قلما أفرد لشخص بعينه مساحة للحديث عنه أو التعليق على تصرفه اللهم إلا لو تحول فعله إلى ظاهرة تستوجب التوقف عندها إما مدحا ليحذو الآخرون حذوه أو ذما لينفر منه العقلاء ومستقيمو الفطرة.. وإلى نمط الظواهر الثانى ينتمى د.سعد الدين الهلالى!
الرجل الذى يصر على تصدير نفسه للبسطاء بالصفة الأزهرية عالما تأثير بريقها الأخاذ، بلغ به الغرور مبلغه وانخلع منه الحياء بلا تحفظ، فاستطاع بجرأة على الله لا يحسده عليها إلا المغفلون أن يعيد إنتاج عفن القرون الوسطى خالعا على بشر يصيب ويخطئ أوصاف النبوة ومضفيا على حكام غير معصومين هالة التقديس والتنزيه!
يسميه فقها، ويصطلح كل عاقل على تسميته «تدليسا» ذلك الذى يدجل به على البسطاء.. تارة يحل خمرا وتارة زواجا عرفيا، وفى كل مرة ينسب القول إلى مذهب أو عالم بغض النظر عن صحة الدليل من عدمه، وكأن مذهب الهلالى المعتبر «كل ما ذكر صحيح، وكل مجتهد مصيب، وكل رأى مقبول، ولا شذوذ فى الفتوى»!
فى الوقت الذى ننتقد فيه الإخوان ومن دار فى فلكهم من دعاة وشيوخ غالوا فى مرسى وقدموه يصلى بالنبى صلى الله عليه وسلم فى سلسلة الرؤى المزعومة، وفى الوقت الذى نكافح فيه فكرة الدولة الدينية بمفهومها الحقيقى الذى قاسته أوروبا فى القرون الوسطى، يكمل د.الهلالى ما سبقه إليه د.على جمعة مفتى الدولة الدينية لكن بصورة أكثر تطورا.. فبدلا من أن تتواتر الرؤى بتأييد رسول الله صلى الله عليه وسلم للسيسى ومحمد إبراهيم على حد وصف د.جمعة.. يصبح السيسى وإبراهيم رسولين أحدهما من أولى العزم من الرسل.. وفى رواية هلالية أخرى يترقى اللواء محمد إبراهيم ليصير إبراهيم.. أبو الأنبياء نفسه!
كتبت تفصيلا أعتقد أنه اشتهر وقتها إبان حكم مرسى عن هذه الدولة الدينية بعنوان «سأنتقدك لأنك لست الإسلام» فى أوج سطوة دعاة الفتنة وسدنة المعبد الإخوانى منتقدا الفكرة التى يروج لها الهلالى الآن بحماسة تثير فى النفوس السوية غثيانا.. فكرة القائد الملهم من السماء الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. هل سيجرؤ أحد بعد ذلك على مناقشته أو مراجعته فضلا عن معارضته أو منافسته وأنت تقول إنه مبعوث السماء؟
رسول الله قال فى عمر بن الخطاب «لو كان بعدى نبى لكان عمر» وقال: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه».. فلما تولى سدة الحكم ما أشهر فى وجه معقب على سياساته أو معترض على قراراته سيف الإلهام وسداد الرأى مفاخرا بأوسمته النبوية.. بل ناقش ودافع واستمع وتحاور واقتنع وأقنع وشاور وعزم.. والمسلمون فى ذلك كله يعلمون حقوقهم وحقوقه فما يبغى أحدهما على الآخر.
أناشد الأزهر بعلمائه وإمامه الأكبر وقفة حاسمة تحفظ للدعوة الإسلامية هيبتها وتصونها عن العبث.. وتصرف عنها وعن البلاد شر رواد الدولة الدينية على اختلاف مشاربهم.