فى حقوق المواطنة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 11 فبراير 2025 11:30 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

فى حقوق المواطنة

نشر فى : الثلاثاء 11 فبراير 2025 - 7:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 11 فبراير 2025 - 7:10 م

 

عزز كيان الدولة الوطنية، الذى قام نموذجه فى امتداد نتائج الثورات الأوروبية الكبرى فى القرن الثامن عشر، منظومة حقوق الإنسان وعرفها -منذ ذلك الحين- بحسبانها حقوق المواطن، هذا الذى أُعيد صوغ مفهومه، فى إطار الفكر السياسى الحديث، ليتلاءم وطبيعة النظام السياسى الحديث ومنظومة الحقوق فيه. صحيح أن إعلان الثورة الفرنسية، الذى أصدرته الجمعية التأسيسية عام 1789، حمل اسم «إعلان حقوق الإنسان والمواطن»، لكن منطق الدولة الوطنية يقضى بأن الإنسان الذى يتمتع بالحقوق عندها ليس كائنًا مجردًا، بل هو الذى ينتمى إليها ويدين لها بالولاء ويتحدد -فى منظومتها القانونية- بوصفه مواطنا. آى ذلك أن هذه الدولة الوطنية الحديثة (الليبرالية) فى الغرب لم تُعامِل إنسان مستعمراتها فى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بمثل ما عاملت به إنسانها المواطن، حتى لا نقول إنه ما كان، على الحقيقة، إنسانًا عندها بحيث تحترم إنسانيته نظير احترامها إنسانية مواطنيها. وهذا يدلنا على أن مفهوم الإنسان فى إعلان الثورة الفرنسية، ما كان كونيًا مفارقًا لحدود التعيين القومى والثقافى والجغرافى والسيادى - كما تطلع إلى ذلك إيمانويل كَنت- وإنما ظل دائرًا على معنى قومى وجغرافى - سياسى صرف (إطاره حدودُ الدولة الوطنية) على نحو تماهى فيه معنيا الإنسان والمواطن، فكانت حقوق الإنسان تعنى، حكما، حقوق المواطنة.

تُرتب منظومة المواطنة على المنتمين إلى الدولة الحديثة - القائمة على سلطة القانون- التزامات وحقوقا فى الآن نفسه. لا سبيل إلى إسقاط أى منهما أو تغليب جانب منهما على آخر، إذ التوازن بين الواجب والحق واحد من أظهر سمات الدولة الحديثة ومما ينماز به نظامها عن كل نظام سياسى تقليدى سابق أو مُزامِن. ليست المواطنة انتماء إلى وطن وولاء لدولة فحسب، هى -فوق هذا أو نتيجة هذا- التزام من ذلك المنتمى بتقديم واجبات تجاه الجماعة الوطنية/القومية، التى هو عضو فيها، ممثلَةً فى الدولة، وهى واجبات تتدرج صعودًا من دفع الضرائب إلى التضحية بالنفس. ليس من دولة ولا حياة عامة، فى فلسفة السياسة، من دون إعمال مبدأ الواجب، إذ بتقديمه وعدم التملص منه يوفر المواطنون الموارد المادية التى يقع إنفاقها على الخدمات العامة، والبنى التحتية، والأمن الاجتماعى والدفاع الوطنى. ليس الواجب، بهذا المعنى، عبئًا مفروضًا كرهًا على كواهل المواطنين أو قيْدًا على حقوقهم وحرياتهم، بل هو مشاركة فى تنمية المجتمع الوطنى وتعظيم قدرة الدولة.

على أن التزام المواطنين تجاه الدولة يقابله التزام من الدولة تجاه مواطنيها، وهو التزام يعبر عن نفسه من طريق تمتيعها إياهم بحقوق تكفلها لهم قانونيا ودستوريا وتحميها من الانتهاكات. تتدرج الحقوق تلك من حقوق مدنية إلى حقوق سياسية، وهى -فى منطق الدولة الحديثة- غير قابلة للمساومة عليها أو الانتقاص منها لأن فى ذلك انتهاكا لها لا يجوز قانونًا، وهذا ينسحب على حقوقهم جميعها من غير تمييز: أكانت حقوقًا فردية أو حقوقًا جماعية. حقوق المواطنين، فى فلسفة السياسة وفى منطق الدولة الوطنية الحديثة، ليست منة بل حقوق مستحقة تترتب لهؤلاء المواطنين عن أمرين: عن انتمائهم إلى الدولة وولائهم لها، وعن التزامهم بتقديم واجباتهم تجاهها. على أنه ليس المواطنون من يستفيدون من هذه الحقوق، حصرًا، وإنما تشاركهم الدولة فى الاستفادة من ثمراتها، إذ كلما نعم المواطنون بتلك الحقوق تنعم الدولة، بالتبعة، بالاستقرار والازدهار.

من البين، فى ضوء ما تقدم، أن مفهوم الإنسان أُدرك -فى السياقات الفكرية والسياسية الغربية فى ذلك الإبان- بما هو مرادف لمفهوم المواطن وأن المواطن عنى تلك العلاقة السياسية التى يُرتبها الانتماء إلى جماعة وطنية والولاء للدولة، وتُتَرْجِم نفسها فى شكل علاقة حق/واجب تتحدد داخلها منظومة حقوق المواطَنة (الحقوق المدنية والسياسية). على أن الأهم فى هذا كله أن هذه الحقوق التى يتمتع بها الناس وتُقِرها القوانين إنما هى حقوق إطارها المرجعى الدولة، إذ الدولة من يشرع تلك الحقوق ويحيطها بالرعاية والحماية من خلال الضمانات القانونية والدستورية، والدولة إذ تفعل ذلك، تمارس ولايتها السياسية والقانونية فى نطاق سيادى صرف، أى ضمن مقتضيات السيادة الوطنية. بعبارة أخرى، ما كان هناك -فى عُرف الدولة- إنسانٌ فوق الوطن وفوق القانون، عابر للحدود والدول والتشريعات على نحو ما سيصير إليه الأمر فى ما بعد، أعنى فى نطاق المفهوم العولمى الجديد لحقوق الإنسان.

عبدالإله بلقزيز

جريدة الخليج الإماراتية

النص الأصلى

التعليقات