احتلت روسيا أوكرانيا فهاج العالم كله وهذا حق، ولكن فلسطين محتلة منذ سنوات وتعرض الفلسطينيون لكل أنواع القهر والعذاب والاحتلال والتهجير ولم ينصرهم أحد، الغرب يكيل بمكيالين، ولكن العيب ليس عنده لأن العرب أهل القضية أنفسهم تخلوا عن قضيتهم ومجدهم وعزهم.
بداية إنهاء النفوذ الروسى فى أوكرانيا كان باستقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن الروسية بعد أن ظلت مئات السنين تابعة لها، وقد أعلن الرئيس الأوكرانى السابق أن «الأمن الوطنى الأوكرانى يعتمد إلى حد كبير على الاستقلال الدينى عن روسيا»، معتبرا أن القرار جاء «انتصارا للشعب المؤمن فى أوكرانيا على شياطين موسكو»، أما موسكو فتريد عودة الكنيسة الأوكرانية إلى أحضانها من قبضة المرتدين والعلمانيين الغربيين فى أوكرانيا، ويمثل المسيحيون الأرثوذكس الأوكرانيين 25% من أتباع الكنيسة الروسية، وانفصالهم سبب خسارة كبيرة للنفوذ الروسى الكنسى والسياسى، وهذا أغاظ بوتين والكنيسة الأم فى روسيا، ومن قبل ألغى الاتحاد السوفيت، كل الكنائس والمساجد ثم أعادها حينما احتاج إلى دعمهم الروحى فى الحرب العالمية الثانية ثم ألغاهما بعد انتصاره، الساسة هم الذين يتدخلون فى الدين وليس العكس.
الحرب الروسية الأوكرانية سوف تلقى بظلالها على العالم كله ومنها الدول العربية، وستضار أكثر الدول العربية وترتفع فيها الأسعار، أما الدول البترولية ودول الغاز فسوف تحقق أرباحا طائلة فقد قفز سعر برميل البترول إلى خمسة أضعافه بعد أن كان راكد السعر لسنوات.
أمريكا والغرب يكيلون بمائة مكيال فهم الذين احتلوا فيتنام فترة، وهم الذين غزوا وباركوا ودعموا الكذبة الأمريكية الكبرى فى احتلال العراق، واحتلال أفغانستان بسبب«القاعدة» وهم حفنة قليلة لا علاقة لها بالشعب الأفغانى، وهم الذين باركوا وما زالوا يدعمون الاحتلال الإسرائيلى، وهذا لا يدعونا فى المقابل لمباركة غزو أوكرانيا نكاية فى الغرب، لأننا بذلك نناقض أنفسنا، المحتل هو المحتل مهما كان جنسه وعرقه ولونه.
لم يؤيد بوتين فى غزوه لأوكرانيا من الدول العربية سوى سوريا والحوثيين اليمنيين ليس حبا فى بوتين ولكن كراهية فى أمريكا التى حاربت بشار بكل قوة، وصنفت الجماعات الحوثية كمنظمة إرهابية.
من يؤيد بوتين من العرب أفرادا أو جماعات لن يستطيع عقلا أن يدين الاحتلال الإسرائيلى لفسلطين، الاحتلال هو الاحتلال.
أكبر خطأ وقع فيه بوتين فى عملية غزوه لأوكرانيا هو حساباته القديمة أن الشعب الأوكرانى يشتاق للحقبة السوفيتية ويريد العودة إليها ولا يريد الارتماء فى أحضان الغرب، وهذا والله وهم كبير فماذا كان فى الاتحاد السوفيتى يغرى هذه الشعوب بحب العودة إلى حقبته البائسة.
الاتحاد السوفيتى كان نموذجا للفقر والديكتاتورية واللاعقل فى منظومة اشتراكية متطرفة فضلا عن الإلحاد وكراهية كل الأديان، والمقارنة بين ألمانيا الشرقية والغربية فى هذه الحقبة كانت واضحة، أوروبا الشرقية كلها توجهت للغرب فما بال الشعب الأوكرانى سيشتاق إلى القيد والفقر معا.
ليست حكومة أوكرانيا وحدها هى التى تتوق للغرب ولكن الشعب الأوكرانى نفسه، وهذا ما فاجأ بوتين وجيشه عبر المقاومة لقواته.
دخول الجيش الشيشانى المسلم فى معركة أوكرانيا خطأ جسيم وكبير من الرئيس الشيشانى، لأنه سيذهب للقتال فى المكان والزمان والهدف الخطأ ويدمر جيشه من أجل عيون بوتين، والغرب قد يفرض على الشيشان عقوبات تضرها وتؤخر مسيرتها، دولة الشيشان المسلمة لا ناقة لها ولا جمل فى صراع غربى غربى.
بوتين يريد دولتين لا واحدة، روسيا القيصرية وروسيا السوفيتية ظنا منه أن الزمان يمكن أن يعود بالإمبراطوريات ولا يدرى أن الإمبراطورية التى تغيب عنها الشمس لا تشرق عليها مرة أخرى، وأن الظروف السياسية والتاريخية والعسكرية التى نشأت فيها هذه الإمبراطورية لن تتكرر تقريبا.
«الكل يبدأ الحرب ولكنه قد لا يستطيع إنهاءها» هذا مثل عسكرى استراتيجى تاريخى مشهور فالكل يدخل الحرب وقد يكسب فى البداية ويتوغل بقواته ويظل يفعل ذلك وهو يدخل المصيدة الكبرى التى يعدها خصومه عادة فإذا أراد الخروج لم يستطع فكاكا، وهذا حدث مع عبدالناصر فى اليمن وصدام فى الكويت، وهتلر بعد احتلاله ثلث أوروبا ودخوله روسيا وتوغله فى الثلج القاتل، والسوفيت فى أفغانستان، ومن قبلها فى تشيكوسلوفاكيا، وأمريكا فى العراق وأفغانستان وكلهم ندموا على ذلك، ويقال إن القطة لا تدخل مكانا قبل أن تجد مكانا تخرج منه.
كل الحروب والصراعات تؤدى إلى تطرف ما، فهزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى ولدت هتلر والنازية، وغزو أفغانستان من قبل السوفيت ولد القاعدة وأخواتها، وغزو العراق ولد القاعدة وداعش أولاد الزرقاوى، وتحطيم سوريا والصراع السنى الشيعى بداخلها ولد القاعدة وداعش و45 ميلشيا شيعية مسلحة يقاتل بعضها بعضا.