الصبر الاستراتيجى فى الميزان - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 11 سبتمبر 2025 10:09 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

الصبر الاستراتيجى فى الميزان

نشر فى : الخميس 11 سبتمبر 2025 - 7:55 م | آخر تحديث : الخميس 11 سبتمبر 2025 - 7:55 م

‎الثقل الذى يشعر به كثير من الناس بسبب حرب غزة، لا يجد متنفسا، لا من تصريحات المسئولين العرب ولا من مواقف الدول، فهى كلها دون المستوى. وكان المتوقع أن نجد رد فعل أكثر تنسيقا بين الدول العربية بعد إفصاح رئيس وزراء الكيان الصهيونى عن حقيقة مخططات بلاده، التى تسعى لبناء مشروع إسرائيل الكبرى على حساب عدد من الدول العربية! ولذلك؛ تتمادى إسرائيل فى أفعالها، فهى لا تجد أى ردع، وتتمتع بتأييد استراتيجى مطلق من الولايات المتحدة لتفعل ما تشاء، فما الذى يمنعها من استغلال الموقف وتحقيق أكبر قدر من المكاسب.

‎لعل بعض الناس مقتنعون بأن حماس هى التى تسببت فى كل ذلك بعد هجومها على إسرائيل يوم 7 أكتوبر. ولهؤلاء نقول: إن ما ترونه أمامكم لا يمت لحماس بصلة، بل هى مخططات تحاك وتجرى ليل نهار فى ظل تغافل من العرب. ولو لم تكن حماس قامت بهجومها، لكن رأينا نفس المخططات، ولكن بوسائل أخرى، نذكر منها: اتفاق إقامة العلاقات مع دول عربية الذى أعطى إسرائيل مكاسب بدون أن تعطى شيئا فى المقابل، بل مستمرة فى عدوانها وتوسعها. فإذا كان السلام لم يمنعها من الاعتداء، والتطبيع لم يمنعها من التمادى، فلماذا لا يرى العرب أن إصرارها على التوسع فى مخططات الاحتلال، يكشف بوضوح عن مطامع أكثر بكثير مما حصلت عليه حتى الآن؟!

• • •

‎فى مقابل التصعيد الإسرائيلى تتبنى بعض الحكومات العربية الصبر الاستراتيجى. ولا أدرى، ما هى أركان أو مقومات هذا الصبر. هل الرهان مثلا على الداخل الإسرائيلى أن يتحرك ويسقط حكومة اليمين، فتعود إسرائيل للانقسام الذى ساد قبل 7 أكتوبر، وأدى لإجراء خمس انتخابات على مدى عامين، حتى استطاعت تشكيل حكومة؟ ولكن ما هو الضامن أن ذلك سيحدث، وإذا حدث، هل تعتقد أن سياسة الحكومة التالية ستتغير؟ وإذا كان التعويل على تغير الموقف العالمى، مع زيادة العزلة لإسرائيل، وارتفاع مكانة الدولة الفلسطينية بعد الاعتراف المتوقع من خمس عشر دولة، على رأسهم فرنسا، فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنهاية هذا الشهر، فإن هذا التغيير لن يسفر عن نتائج فورية، بل تحاول الولايات المتحدة إجهاضه عن طريق منع الرئيس الفلسطينى والوفد المرافق من حضور اجتماعات الجمعية العامة. وإذا كان التعويل على تراجع تأييد الولايات المتحدة لحرب الإبادة، فإن هذا لن يحدث، حتى لو تقدمت روسيا فى أوكرانيا، والصين فى تايوان، فلن يشغلها ذلك عن الاستمرار فى دعم إسرائيل.

لعل استهداف إيران فى عملية عسكرية مشتركة من إسرائيل والولايات المتحدة، وغيرهم من دول الجوار، مثل أذربيجان، أثبت بالدليل القاطع إلى أى مدى ستذهب الولايات المتحدة فى دعمها لإسرائيل. ولكن تلك المواجهات عززت أيضا ما كان يشعر به البعض بدون أن يجد له دليلا ماديا ملموسا، فمنذ سقوط النظام السورى، والبعض ينظر بعين الشك للدور الحقيقى الذى تلعبه روسيا؛ وتعززت تلك الشكوك من موقف روسيا أثناء حرب إيران فى يونيو الماضى، بالرغم من أن الأخيرة من أهم موردى السلاح لروسيا، وفى المقدمة منه الطائرات بدون طيار، حيث نقلت إيران تكنولوجيا تصنيع الطائرة (شاهد)، وأنشأت مصنعا لتصنيعها داخل روسيا ليساعدها ذلك فى جهدها الحربى ضد أوكرانيا. لكن لما حانت اللحظة التى احتاجت فيه إيران للدعم الروسى المماثل، رأينا تراجعا، وسمعنا مفردات من نوعية أن إسرائيل هى الدولة الثانية الشبه ناطقة باللغة الروسية! بمعنى أن مساندة روسيا لإيران لها حدود، إذا كانت المواجهات ضد إسرائيل.

الصبر الاستراتيجى لم يكشف فقط الدور الروسى، ولا الدعم الأمريكى، ولا التمادى الإسرائيلى، فى ظل عجز المؤسسات الدولية. ولكنه كشف أو فضح استقواء المؤسسات الدولية على أى دولة إلا إسرائيل. فأين دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفتشيها فى اخضاع برنامج إسرائيل النووى للتفتيش؟! أننا لا نكاد نسمع عن أى جهود فى هذا المسار! علما بأن إسرائيل بحسب وكالة أسوشييتد برس تكثف أعمال البناء فى منشأة جديدة مرتبطة ببرنامجها النووي. حيث كشفت صورة ملتقطة بالأقمار الصناعية عن إنشاءات ملحوظة فى مركز «شمعون بيريز» للأبحاث النووية بجوار مفاعل «ديمونة» بالنقب، قد تكون مفاعلا جديدا أو موقعًا لتجميع الأسلحة النووية. ولكن لا الأمم المتحدة تدخلت، ولا الوكالة الدولية نددت، ولا أوروبا شعرت بأن عليها واجب محاصرة البرامج النووية كما تفعل مع إيران!

• • •

‎كما ترون، فإن الصبر الاستراتيجى لا يعمل لصالح طرف وإنما تسعى كل الأطراف للاستفادة منه على حساب الطرف الآخر، فلقد عرفت إسرائيل كيف تستغل التصعيد المتوازن بينها وبين حزب الله، حتى انقضت على قياداته والتقمتها، ولكنها حاولت تكرار نفس السيناريو مع إيران وفشلت. كما عرفت إسرائيل كيف تتعامل مع كل جبهة على حدة، حتى فرغت لإيران بعد أن قصمت ظهر محورها وأسقطت النظام السوري، ولكنها لم تستطع تحييد جبهة الحوثيين حتى الآن. لكن إذا لم يعِ الحوثيون درس حزب الله، فإن تصفية قياداتهم سيستمر حتى تنكسر شوكتهم، وتتفرق كلمتهم.

الشاهد كما قال رئيس وزراء الكيان الصهيونى، كل شىء بدأ فى غزة، وسينتهى فيها. وهو يعنى أن معركة مدينة غزة هى ذروة الحرب. فالنجاح فى اقتحام المدينة سيتحول إلى تهجير قسرى للسكان إلى الجنوب عند مخيمات رفح. والفشل معناه انكسار المد الإسرائيلى وبداية الاضطرابات الداخلية. وأثناء مشاهدة هذه الدراما ومشاهد الإبادة الجماعية، فإن ذراعا آخر لإسرائيل يتحرك فى القرن الإفريقى برعاية المايسترو الأمريكى، حيث تحتفل إثيوبيا خلال أيام بالانتهاء من بناء سد النهضة، وتعلن عن تدشين مشاريع لبناء سدود أخرى.

فإذا كان الصبر الاستراتيجى تجاه الجار النووى له ما يبرره فى انتظار اللحظة الحاسمة أو مداهمة الأمر الواقع، فأين يقودنا هذا النهج، فى ملف سد النهضة؟ وغيره من الملفات، لاسيما، فى ليبيا والسودان! فإذا كانت ثمة نتائج إيجابية فى بعض الحالات، فإن هناك سلبيات أيضا، ولذلك نقول للصبر حدود.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات