دمشق الآن.. تزاحم الأسئلة أم تزاحم الوفود؟ - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 13 يناير 2025 3:28 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دمشق الآن.. تزاحم الأسئلة أم تزاحم الوفود؟

نشر فى : الأحد 12 يناير 2025 - 6:10 م | آخر تحديث : الأحد 12 يناير 2025 - 6:10 م

حدود المصنع والوقت ظهرا أو ما قبله والزحمة لا تتناسب مع محاولات هذا الكم من البشر دخول أراضى بلد عاش للتو تغييرا جوهريا فى نظام حكمه، بل ربما فى كل ما يتعلق بتفاصيل الحياة فيه. تقف فى الطابور يبدو معظم القادمين المتحمسين من السوريين لا أغراب بينهم سوى ربما شخص بدا وكأنه مراسل صحفى لإحدى الصحف الأوروبية وهم كثر فى هذه الأيام سواء فى لبنان أو سوريا، بل إن الفضاء العام يعج بهم حتى أصبحوا هم جزءا من المشهد الجديد فى البلدين الملتصقين اللذين أخذا الأنظار بعيدا جدا عن غزة وإبادتها.
• • •
لا يطول الوقت حتى يصل دورك وبعد بضع أسئلة من الموظفين المسئولين لما يبدو أنهم مجموعة جديدة على هذه المهنة أو النظام القديم المتوفر بالأجهزة المهترئة كما كان، يختم الشخص المسئول على ورقة ويرفقها بجواز السفر، بعدها حاجز للكشف على العربات وكان أطول من طوابير الخبز فى أوطاننا البائسة، وعنده موظف أيضا فيما يبدو جديدا على هذه الوظيفة ولكنه يحاول أن يقوم بدوره سريعا. هناك تجمعات قبل الانطلاق فى طريق الشام، لبعض المسلحين بتنويعاتهم أو هكذا بدا، قليلون منهم كانوا لابسين الأسود وملثمين بنفس اللون، وهؤلاء سنرى منهم هنا وهناك فى دمشق لاحقا ولكنهم ليسوا الأكثر بروزا فى المشهد المسلح للحكم الجديد فى سوريا.
• • •
الطريق إلى دمشق خالٍ من الحواجز رغم وجود بعض المسلحين هنا وهناك وخالٍ أيضا من صور الرئيس السابق بشار الأسد التى كانت ترافق القادم إلى سوريا فى كل زاوية منها ولم تبقَ صور له سوى على ورقة العملة السورية التى تصور بعضنا أنه سيصعب عليهم استخدامها لأنها تحمل الصورة فى تصور يبدو ساذجا بعض الشىء ولكنه يعبر عن الكثير من الأسئلة المرتبطة بهذه المرحلة الجديدة من الحكم فى سوريا. سوريا الجديدة كما تبدو الآن بلا صور لزعماء ولا حكام أو هكذا هى بعد أكثر من شهر من سقوط النظام السابق. لكن امتلأت بالعلم الجديد القديم ذى الثلاث نجوم بدلا من علم الوحدة ذى النجمتين.
• • •
ساحة الأمويين امتلأت بأكشاك، تقول صديقتى لم تعد كما كانت ولكنها أصبحت فضاء لكل المعتصمين أصحاب المطالب وهو انعكاس لضوضاء الشام الآن بعد الثامن من ديسمبر، أى بكثير من اللقاءات والتجمعات والنقاشات والمجموعات للنسويات والشباب والمثقفين والفنانين والصحفيين والاقتصاديين وكثيرين غيرهم، ضوضاء تعج تراها واضحة فى قهوة الروضة الشهيرة حيث أصبحت مركزا للقاءات لكل القادمين من بقاع الأرض من سوريين وغيرهم، ولكنهم فى مجملهم سوريون مزقتهم الغربة. تعج القهوة فى أى وقت من النهار إلا أن مساءاتها هى الأكثر حيوية وسط سحب من دخان الأراجيل والسجائر وضوضاء الأصوات المتناقشة المتعارضة أحيانا المختلفة فقط على تصديق كل ما ينشر أو يسمع لأن الإشاعات سيدة الموقف أو حتى عندما يثبت حادث انتهاك فى حماة أو حمص يرددون جميعا «إنها حوادث فردية» ماذا تتوقعون لقد أسقطنا نظاما طال عمره وقام بكل أعمال القمع لكل الآراء؟.. لحظات ويعلو صوت الأغنية الأكثر انتشارا وشهرة الآن فى شوارع دمشق وأزقتها «ارفع رأسك فوق أنت سورى حر» ويكملون فيقف شاب ويسحب معه إحدى الفتيات المتحلقات حول المائدة ويرقصان الدبكة فيعلو التصفيق والضحك.. إنه فرح الحرية كما قال ذاك الصديق الكاتب خفيف الظل ويلحق ذاك التصريح بالتساؤل «هل تستهينين بخمسين عاما من القمع والرأى الواحد؟» ثم يعلق على كل هذا الكم من الشابات والشباب وحتى بعض الشيوخ الذين غابوا طويلا عن دمشق لأسباب يعرفها الجميع، يقول «هى سياحة ثورية» يأتى السوريون والسوريات ليشاركوا فى «فرحة إسقاط النظام وانتصار الثورة» ويشدد على كلمة ثورة وكأنه يسخر من الوصف أو يشكك فيه، «ثم يعودون إلى مدنهم البعيدة فى أوروبا ومراكز عملهم ومنظماتهم المختلفة، ونعود نحن الباقين هنا لما كنا عليه نطرح الأسئلة ونعيد تكرار مخاوفنا ونعود فى آخر المساء إلى بيوتنا المعتمة، فلا تزال الكهرباء وحتى الماء من الرفاهيات فى شتاء دمشقى قارص».
• • •
الشوارع مكتظة كما لم نرها من قبل، رغم بعض التحسن فى توفير الوقود إلا أنه لا يزال هناك الشح ومعظم العربات القادمة تحمل لوحة محافظة إدلب ثم حلب وهو المتوقع فالقادمون جاءوا من هناك. يردد الكثير من الشعب السورى على القادم أنهم فرحون بينما بعضهم يقول ولكن هناك الكثير من المخاوف والأسئلة المطروحة دون إجابات. كُثر يقولون إن القيادة الجديدة فى سوريا لم تلتقِ بسوريين من مختلف الفئات والتخصصات على قدر لقاءاتها مع القادمين من الخارج، ويتبعون ذلك بالقول رغم إدراكنا أن الشرعية الدولية للدولة «مهمة طبعا»!! ثم يرددون أن الإعلام القادم الذى تمترس ليقتنص كل تفصيلة فى حياة السوريين والسوريات يتفادى هو الآخر تجمعات ولقاءات وندوات بعينها تبدو غير «مناسبة للصورة التى يريدون رسمها للحظة الحالية» فكانت هناك ندوة مهمة تطرح أسئلة حول مستقبل سوريا وكثير منها يتمحور حول الاقتصاد والسياسة وهما ملتصقان، وفيما اكتظ المدرج بالحضور لم نشاهد كاميرا أو مراسلا أو حتى يوتيوبر أو بلوجر أو إنفلونسر وهم كثر كثر فى دمشق الآن. تهمس تلك السيدة التى رفضت الخروج من سوريا رغم كل المضايقات وهى الكاتبة والإعلامية «حتى الآن فى رأيى إن ما طرحه المحاضر الأستاذ سمير العيطة أكثر جرأة من أن يتمكن أى منا أن يطرحه، كيف والخوف أصبح جزءا من نفسياتنا»، وبعد تنهيدة طويلة تردد نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل أو إعادة تعود على الحرية وانتزاع الخوف.
• • •
هناك صور أخرى عديدة لدمشق الآن ربما تروى فى حلقات قادمة، ربما!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات