نشر معهد The Egmont مقالا للسفير مارك أوتى، الذى شغل منصب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبى لعملية السلام فى الشرق الأوسط، يشرح فيه الأسباب التى تدفع إلى ضرورة ضبط الشراكة، كما يورد خارطة طريق وأجندة واضحة لتدعيم هذه الشراكة مشددا على ضرورة إشراك جميع الأطراف فى المنطقة لحل النزاعات الإقليمية.. نعرض منه ما يلى.
العاصفة المستعرة فى جميع أنحاء الجوار الجنوبى، أو كما تُعرف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى المصطلحات الأوروبية، لن تهدأ فى المستقبل القريب. فإلى جانب إدارة الأزمات الحالية فى الجوار الجنوبى، تحتاج الاختلالات الوظيفية بين الطرفين ــ الأوروبى والجنوبى ــ إلى نهج طويل الأمد ومستدام. السؤال هو لماذا وكيف نضبط مسار القطار؟
بداية، النظام الإقليمى المتدهور حاليا هو نتيجة لتفكيك الإمبراطورية العثمانية من قبل فرنسا وبريطانيا، وإلى حد ما إيطاليا، وبناء إمبراطوريتهم الاستعمارية اللاحقة. بعد الحرب العالمية الثانية، أضاف التنافس على الطاقة والحرب الباردة، مع دخول الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى المعركة، طبقة أخرى من المواجهة، وهى الخلفية التى تطورت على أساسها القوميات العربية. كما أصبحت دول المنطقة أسواقا لمبيعات الأسلحة، مما خلق تحديات طويلة الأجل للحد من التسلح.
منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لهما تأثير على الثقافة والسياسة الأوروبية. وخلال ثورات «الربيع العربى» فى العقد الماضى قال المواطنون فى جميع أنحاء المنطقة إن المشكلات الأكثر شيوعا التى يواجهونها هى الدخل المنخفض، وفرص العمل السيئة، والفساد، وتدهور خدمات الدولة، وإساءة استخدام النخب للسلطة. كان النقد المتكرر للنهج الغربى والأوروبى وبرامج المساعدة من قبل المجتمع المدنى فى المنطقة هو أنهم لم يفعلوا شيئا لتغيير الوضع الراهن أو زادوه سوءا من خلال التدخلات العسكرية الفاشلة أو عدم التخطيط لإعادة الإعمار. لذلك قرر الناس أن يعالجوا الأمر بأيديهم وخرجوا إلى الشارع مرة أخرى ويبقى أن نرى من سيحصل على السلطة فى النهاية.
مهدت هذه الثورات الطريق لعودة روسيا إلى المنطقة، التى تتوق إلى إعادة تأكيد وضعها كقوة عظمى. كما أنها سهلت صعود تركيا (العثمانية الجديدة) وأكدت الطموحات الإقليمية الإيرانية، وفتحت الباب أمام صراعات إقليمية بين إيران ودول الخليج العربى. كذلك توحدت قطر وتركيا حول رؤية مشتركة للإسلام تجسدها جماعة الإخوان المسلمين. وأدى ظهور جهات فاعلة غير حكومية مثل الدولة الإسلامية إلى خلق مزيد من عدم الاستقرار فى المنطقة وخارجها. ثم جاء الوباء ليضيف طبقة أخرى من التحديات لحل النزاعات.
رياح التغيير
قد تكون التحركات الأخيرة من قبل الإمارات والبحرين لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بجانب السودان والمغرب، من العوامل المحتملة لتغيير قواعد اللعبة. العلاقات غير الرسمية (الاقتصادية والاستخباراتية) مستمرة منذ بعض الوقت، لكن التطبيع مع إسرائيل مدفوع بعدة أسباب: مخاوف بشأن التراجع التدريجى للولايات المتحدة من المنطقة (الذى بدأ خلال إدارة أوباما) والتأثير المحتمل على الأمن القومى ــ بشكل أساسى التهديد الإيرانى.
بالطبع هناك مكاسب للأطراف العربية تتعلق بالحصول على الأسلحة الأمريكية المتقدمة (Fــ35)؛ والتحديث الاقتصادى بعيدا عن الاعتماد على النفط والغاز، بما فى ذلك الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية؛ الإعفاء من الديون والمساعدات الدولية للسودان بعد أن أزالت الولايات المتحدة الخرطوم من قائمتها للدول الراعية للإرهاب؛ اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وأخيرا، تشكل عملية المصالحة داخل دول مجلس التعاون الخليجى، وإنهاء مقاطعة قطر (التى بدأت فى عام 2017)، إشارة أخرى لتغيير قواعد اللعبة.
أجندة العمل
ينبغى أن تبدأ التحركات الحالية، بما فى ذلك وساطة الأمم المتحدة، بالحد من التوترات أو حل النزاعات الفردية والمحلية لتسهيل الوصول إلى الهدف. ثم يجب أن يتم توسيع نطاق التفاهمات وإشراك الأطراف الأخرى المعنية مع التأكيد على المصالح المشتركة.
فمثلا، حدد العديد من صانعى السياسات والأكاديميين، بما فى ذلك نائب وزير الخارجية الروسى بوغدانوف، مفاهيم لبناء أمن الخليج فى إشارة إلى اتفاقية هلسنكى ونظام منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا. كذلك كثيرا ما يذكر وزير الخارجية الإيرانى ظريف الجمهور بترتيبات ما بعد الحرب الواردة فى قرار مجلس الأمن رقم 598 الصادر بعد انتهاء الحرب العراقيةــ الإيرانية. تم طرح أفكار أخرى على الطاولة أخيرا: مبادرة هرمز للسلام (HOPE) من قبل إيران، مفهوم الأمن الجماعى لمنطقة الخليج من قبل روسيا، التحالف الاستراتيجى للشرق الأوسط من قبل الولايات المتحدة. يمكن للمرء أيضا أن يجد الإلهام فى مؤتمر مدريد بعد حرب الخليج الأولى فى عام 1991 والعملية المتعددة الأطراف التى أطلقتها.
ومن بين العمليات الجارية: محادثات سرية بين مسئولين إماراتيين وإيرانيين حول أمن الملاحة فى الخليج؛ الجهود الأوروبية/ الروسية/ الصينية لإنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة وتجاوز القضية النووية الإيرانية؛ دعم انتقال فعال فى السودان بوساطة الاتحاد الأفريقي؛ دعم الانتقال السلمى فى الجزائر؛ ترسيخ العملية الديمقراطية فى تونس، استكمال عمليات الحماية البحرية فى الخليج بآلية إنذار مبكر (ينبغى أن تشمل روسيا وإسرائيل). كما تُعد عملية إيرينى البحرية الأوروبية، التى تراقب تنفيذ حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، نموذجا جيدا لآليات التنفيذ.
فى كل الأحوال، توفر القضايا المشتركة بين الاتحاد الأوروبى والشرق الأوسط وشمال إفريقيا فرصا للانخراط فى مناهج إيجابية ومبتكرة:
الأمن: يجب أن تحظى أنظمة الحد من التسلح بالأولوية فى منطقة تعد أكبر مشترٍ للأسلحة فى العالم، والمزودون الرئيسيون هم الأعضاء الدائمون فى مجلس الأمن الدولى وألمانيا.
الطاقة: إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط مقره القاهرة ويضم إسرائيل مثال جيد للمنظمات الإقليمية بالتعاون مع شركاء خارجيين. كما أبدت الولايات المتحدة اهتماما بأن تكون جزءا من الآلية. ومع ذلك، أدى استبعاد تركيا إلى توترات جديدة بشأن قبرص.
الصحة العالمية: أظهرت جائحة كوفيدــ19 مرة أخرى أن القضايا الصحية يمكن أن تكون محركا للصراع، كما أظهرت الحاجة الملحة للتعاون دولى.
التكتيكات والاستراتيجيات
يجب الإيمان بأن أى نظام إقليمى لا يكون مستداما ما لم يشارك اللاعبون المحليون فى المعادلة. ليس فقط الحكومات، ولكن أيضا الكيانات التابعة للدولة، مثل المقاطعات أو المدن، والمجتمع المدنى، بما فى ذلك الأعمال التجارية والنساء والشباب. وتعتبر الوساطة المصرية فى الصراع الليبى، واستضافة قطر لمحادثات المصالحة بين الحكومة الأفغانية وطالبان مثالين حديثين ومشجعين.
إجمالا، إن سياسة الجوار الأوروبية تجاه الجنوب فشلت على الصعيد العالمى. حتى لو كانت النوايا الأصلية فى مكانها الصحيح، فالأدوات ومراقبة العمليات لم تكونا كافيتين. بمعنى أن الافتقار إلى فهم التحركات الاجتماعية فى بلدان الجوار الجنوبى، وعدم كفاية أو عدم فعالية الاهتمام باستراتيجيات الجهات الفاعلة الأخرى هى الأسباب الرئيسية لهذه النتيجة.
كما أن الانقسامات بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى (انظر على سبيل المثال فرنسا وإيطاليا حول ليبيا) والمصالح الوطنية المحددة بدقة (مثل مبيعات الأسلحة) ولدت سياسات غير فعالة وغير متماسكة. ومع ذلك، الأمر لا يحتاج لاختراع تصميم أوروبى جديد. فإعلان برشلونة فى نوفمبر 1995 لم يتقدم فى السن بعد.
باختصار، يجب معالجة غياب أوروبا الاستراتيجى فى إدارة الأزمات وتقديم استراتيجيات الخروج على سبيل الاستعجال، خاصة بالنظر إلى فك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة والذى لن يختفى فى ظل رئاسة بايدن.
ولاشك أن إقناع الولايات المتحدة بقيمة الشراكة عبر الأطلسى للشرق الأوسط والمشاركة بكفاءة مع روسيا والصين، فى ضوء تزايد مركزية أوراسيا الجغرافية بشأن قضايا مثل تغير المناخ والهجرة والاقتصاد والطاقة وانتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب والتطرف جزء من هذه الأجندة الطموحة.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى